محجوب عروة : لتقبل المعارضة قرارات الرئيس
ربما يصف بعض قادة المعارضة خاصة المسلحة قرارات الرئيس عمر البشير بالعفو العام ووقف اطلاق النار بعدم الصدقية ولكن دعونى أقول لهم لماذا لاتكون لكم الشجاعة السياسية وترموا بقفاز التحدى امام الشعب السودانى وامام العالم وحتى امام النظام الحاكم وتقبلوا بهذه القرارات وتعلنوا قبولكم للحوار الشامل داخل السودان ولا بأس من مؤتمر تمهيدى فقط بالخارج ؟ أعتقد جازما سيحترم الناس هذه الخطوة الشجاعة ويقدرها ومن المؤكد سيتعاطف مع قضاياكم ومطالبكم. أقول هذا حتى لا تعطوا لصقور الانقاذ الفرص الذهبية لتجهض أى مبادرات صلح وتوافق وطنى وسلام دائم وتحول ديمقراطى كما حدث دائما يستفيدون من تصريحاتكم النارية وشروطكم وتحركاتكم ورفضكم للحوار.. لو فكرت المعارضة قليلا واستصحبت عبر الماضى السودانى والعبر من الفوضى التى حدثت بعد ثورات الربيع العربي وحكمت صوت العقل والتزمت الحكمة والذكاء والخبرة السياسية لوجدت ان الفرص فى تحقيق المطالب خاصة عملية التحول الديمقراطى وديمومة السلام المستدام أكبر من فرص الصراع الدامى باعتماد العمل المسلح او الرفض السياسى، فالمعارضة منذ ربع قرن لم تفلح فى اسقاط النظام بكل الوسائل ولكن الحركة الشعبية بقيادة د. قرنق حين استجابت فى نيفاشا للحوار والتزمت العمل السلمى استطاعت ان تحقق أهدافها ولو استمرت الحرب لربما انهزمت عسكريا وضعفت. بهذه المناسبة أذكر أننا فى المعارضة ضد نظام النميرى وعقب العملية العسكرية الكبرى فى يوليو 1976 وعندما تحرك بعض الحكماء أمثال الراحل المقيم والوطنى المخلص السيد فتح الرحمن البشير عليه الرحمة ورغم اننا كنا نستعد لجولة عسكرية كبرى وبأسلحة متقدمة قبلنا بمبادرة الصلح رغم عدم وجود أى ضمانات من النميرى اللهم الا خطابا واحدا فى الاحتفال بعيد مايو عايو عام 1977 بالدعوة للمصالحة وكذلك دون اى شروط مسبقة من جانبنا كمعارضة، واذكر أنه دارت نقاشات شتى وساخنة فى كل من لندن حيث القيادة السياسية وفى طرابلس حيث المعسكرات وانقسم الناس بين القبول بمادرة النميرى حسب الاتفاق مع الوسطاء وبين الرفض للمبادرة فكان الرأى الراجح هو القبول بها والتوكل على الله فذهب السيد الصادق المهدى لمقابلة النميرى فى بورتسودان، حدث ذلك رغم ان حجج الرافضين كانت قوية مفادها أن النميرى لا يلتزم بتعهداته كما سبق منذ العام 1972 عندما أرسل حينها مندوبين منه للسعودية لمقابلة الشريف حسين الهندى وبقية قادة المعارضة وكان مندوبيه هم عمر الحاج موسى ومأمون عوض أبوزيد وتم الاتفاق على ان تدخل المعارضة وتقبل بالحوار مع نظام مايو بل تشارك فى السلطة ولكن للأسف فشل الاتفاق عندما أوعز بعض أعضاء مجلس الثورة المحسوبين على التيار القومى العربى ودعوا القذافى لحضور الاحتفال بذكرى انقلاب مايو فهاجم المعارضة (الرجعية) ونسف فكرة المصالحة الوطنية فكانت ثورة شعبان عام 1973 ثم توالت المحاولات الانقلابية والعمليات العسكرية حتى عام 1976 كلفت البلاد كثيرا من الأنفس والثمرات والأموال وعدم الاستقرار وسمعة سيئة للسودان ومن ثم بدأ التدهور فى البلاد. ثم عندما خرق النميرى الاتفاق والعهود فى عام 1985 و أعدم محمود محمد طه واعتقل قيادات الاخوان بايعاز من صقور النظام المايوى ونائبه الأول عمر محمد الطيب لم يستمر فى الحكم بعدها فانطبقت عليه الآية ( ومن نكث فانما ينكث على نفسه).. فكان ذلك نهاية الطغيان والنظام الآحادى الاستبدادى.. أقول للمعارضة بشقيها السياسى والعسكرى ان الشجاعة الحقيقية ليس فى المواقف المتطرفة ولا فى حمل السلاح بل الشجاعة فى رجحان العقل والحكمة ( الرأى قبل شجاعة الشجعان)، والوطنية ليست فى المزايدة على الشعارات، كما أنصح نظام الانقاذ الذى يقول أنه يحمى الشريعة فأقول ان الوطنية الحقة هى فى وقف نزيف الدم ووقف العداء والعمل بجد واخلاص لبناء الوطن وليس هدمه وليس فى التحالف مع الأجنبى الذى لايهمه الا مصالحه وتحقيق أجندته التى يخفيها على حلفائه والشريعة الحقة هى فى حفظ الدين والانفس والعقول والأموال والأخلاق والعرض وفى تحقيق قول الله تعالى ( وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن) وفى قوله ( فاذا الذى بينك وبينه عداوة كانه ولى حميم).. ولتلتزم الانقاذ ورئيسها بقوله تعالى : (فمن نكث فانما ينكث على نفسه).
الجريدة