محمد لطيف : معارضون.. وإعادة إنتاج العجلة
كان هذا هو العنوان.. (بعد مداولات متعمقة ودراسات علمية.. مؤتمر لندن يقرر بأن العصيان المدني والإضراب هما سلاح الانتفاضة القادمة).. ثم كانت المقدمة.. (على مدي يومين كاملين استضافتهما جامعة بيربيك في لندن، خرجت توصيات مؤتمر المعارضة الذي انعقد 29/30 أغسطس الماضي لتقرر بضع توصيات أهمها تركيز الفعل على العصيان المدني وتنشيط دور النقابات. اللافت للنظر، أن كل محاور الاجتماعات تميزت بشفافية عالية في تسمية مكونات أزمة المعارضة بل وحتى عند نشر هذه التوصيات فإن لجنة التسيير حرصت على التذكير بضرورة أن يتبع هذه المقررات والتوصيات عمل جاد على أرض الواقع بهدف تحقيق ما يطمح فيه شعبنا من إحداث التغيير المنشود، والذي لن يتم عن طريق عقد المؤتمرات ورفع الشعارات، بل يستلزم إلى جانب ذلك التضحية بالوقت والمال).. ثم تبع ذلك رصد مطول لوقائع ذلك المؤتمر والتداول الذي تم حول أوراقه التي تجاوزت الخمس والعشرين ورقة..!
لم يقدم التقرير أي معلومات عن الجهة المنظمة للمؤتمر أو الجهة الداعية له أو الراعية.. بل لم يحدد حتى طبيعة هذه المعارضة.. وعن أي تيار في المعارضة يعبر.. ربما يكون من المسلم به أن المؤتمر ومن واقع توصياته التي خلص إليها والمتمثلة في أن العصيان المدني والإضراب السياسي هما الخياران الأمثلان لإسقاط النظام لا يمثل المعارضة المسلحة.. وهي تلك التي انتهت إلى ضرورة إسقاط النظام بالقوة المسلحة فقط.. ولكن عن أي مكونات المعارضة المدنية يعبر ذلك المؤتمر..؟ لم يرشح شيء يعبر عن الإجابة عن هذا السؤال.. ويبقى الفعل ناقصا طالما ظل الفاعل غائبا.. ولكن هذا لن يلغي ضرورة الوقوف عند مخرجات ذلك المؤتمر.. الذي لم تسبقه ضجة كحال تلك التي تسبق هكذا مؤتمرات مما يشي بجدية القائمين عليه.. ولكن رغم ذلك تظل مخرجات المؤتمر محل تساؤل عن منظميه وحتى المتداولين فيه.. فمسألة سلاحي العصيان المدني والإضراب السياسي ليسا بالأسلحة الجديدة على السودان.. والواقع أن توصيات المؤتمر لم تستخدم مصطلح الإضراب السياسي هكذا.. بل اكتفت بكلمة إضراب علما بأن بونا شاسعا بفصل بين الاثنين.. فمطلق إضراب يعني الإضراب المطلبي الذي تقوم به فئة محددة ومحدودة تربطها منشأة أو حتى مهنة.. ويكون سقف ذلك الإضراب رهينا بالاستجابة للمطالب التي أضرب من أجلها أو الاتفاق الذي يتم التوصل إليه.. أما الإضراب السياسي فهو ذو أهداف سياسية.. مفتوحة المشاركة فيه لكل مواطن.. وسقفه مفتوح حتى ينجز مطلبه السياسي.. ولكن المؤكد أن توصيات المؤتمر تعني الإضراب السياسي.. وربما فات على منظمي المؤتمر أن الإضراب كان أول سلاح أشهرته نقابة الأطباء في وجه النظام الوليد يومها في العام 1989.. ونتائجه معروفة.. لقد بدت التوصيات وكأنها أشبه بعملية إعادة إنتاج العجلة كما يقولون.. سيما إذا أخذنا إرث الشعب السوداني في تنفيذ ثوراته.. حين يقرر.. أو حين تنضج الظروف الموضوعية للثورة.. كما يقولون..!
غير أن اللافت حقا.. كان هو دخول مصطلح الدياسبورا.. بكثافة في خطاب مخرجات ذلك المؤتمر.. والدياسبورا كلمة يونانية قديمة تعني التشتت أو الشتات.. صحيح أنها صارت تطلق على تلك المجموعات التي خرجت من أوطانها وتفرقت في الدنيا لفعل قاهر.. ولكن الصحيح أيضا أنها ارتبطت أقوى ما ارتبطت باليهود وأقلياتهم المنتشرة حول العالم..!!
وأخيرا.. هل فعلا يمثل سودانيو الدياسبورا.. ثلث السودانيين كما قال ذلك المؤتمر.. الغامض..؟؟!! ولنا عودة.