إمام قدَّام
* حرصت على متابعة اللقاء الذي أجراه تلفزيون السودان مع أبو القاسم إمام، (أحد أبرز قادة الجبهة الثورية) بعد لحظات من نهاية جلسة مؤتمر الحوار الوطني أمس.
* كان الحدث لافتاً، لأن استضافة قادة الفصائل المسلحة في القناة الرسمية ليس أمراً معتاداً، وأظن أنه لم يحدث قبلاً، لذلك استأثر باهتمامي.
* تحدث إمام بذات اللغة التي تعودنا سماعها من قادة الجبهة الثورية.. لم يجمِّل عباراته، ولم يغيِّر كلماته، ولم يتلجلج في التنديد بما سماه (قصف نظام الخرطوم للمدنيين في دارفور)، مثلما لم يتردد في عرض مطالب أهل الهامش، وفي حديثه عن خصوصية الصراع الدارفوري، الذي أنتج ملايين المشردين واللاجئين.
* احترمت شجاعته، وقدرت جرأته، فمنحته أذني باهتمام، لأن من يستجيب لصوت العقل، ويغادر خانة (رد الفعل)، ساعياً إلى وقف نزيف الدم وإقرار السلام في وطنه يستحق الاحترام.
* نعلم أن أبو القاسم إمام والطاهر حجر وعبد الله يحيى لن يفلتوا من اتهامات التخوين، وأن رفاقهم سيقلبون لهم ظهر المجن، لأنهم رفضوا الالتزام بالموقف المعلن للجبهة الثورية من الحوار، لكننا لا نستطيع أن نتجاوز موقفهم الإيجابي، حتى ولو أتى خارج الأطر التنظيمية والمواقف المعلنة للجهات التي ينتمون إليها، لأنهم حكموا صوت العقل، وآمنوا بأن التحاور بالكلمات أفضل من التحاور بالرصاص.
* أتوا بقلبٍ مفتوح، وطرحوا مواقفهم بجرأة، وأعلنوا أنهم سيعودون من حيث أتوا برفقة الرئيس التشادي، لتجتاز الحكومة بسفرهم أول اختبار جدي للضمانات والتعهدات التي قدمتها للفصائل المسلحة، حينما دعا الرئيس البشير قادتها لأن يضعوا سلاحهم جانباً ويحضروا للمشاركة في مؤتمر الحوار، ويغادروا من حيث أتوا (ويلاقونا قدام بي سلاحهم)، إن لم تعجبهم مخرجات المؤتمر.
* نتمنى أن تطغى الروح التي توافرت لدى الثلاثي على المساعي الرامية إلى حل الأزمة بالحوار، بدءاً بالحكومة نفسها، المطالبة بالتعامل مع الممانعين بصبرٍ جميل، وصدقٍ كامل، يجعلها تفي بكل التعهدات التي بذلتها لهم، بدءاً بإشاعة روح التسامح، وانتهاءً بالابتعاد عن اعتقال الخصوم، وصيانة الحريات العامة، وقبول مبدأ التداول السلمي للسلطة، ومواصلة الاجتهاد لإقناع الرافضين بالانضمام إلى الحوار.
* أي ارتداد عن تعهداتٍ بُذلت على الملأ سيصيب الحوار في مقتل، وسيقضي على الجهد الذي بذلته الحكومة في الدعوة والتحضير للمؤتمر، كما سيمنح الممتنعين ألف سبب للهجوم عليها، وتبخيس مبادرتها.
* نشدد على تلك النقطة لأن الحكومة نكصت على عقبيها، وتراجعت عن معظم التعهدات التي صاحبت إطلاق المبادرة أول مرة، فاستمرت في اعتقال المعارضين، واستمرأت مصادرة الصحف، وحرمت بعض قيادات المعارضة من السفر، فمنحت المعارضين ألف سبب للتشكيك في مقاصدها، ورفض دعوتها للحوار.
* إن كان ذلك مقبولاً في ما مضى، فهو لا يجوز الآن، وفي ذلك الامتحان يُكرم (المؤتمر الوطني) أو يُهان!