الصادق الرزيقي

السودان وقضية الدين الخارجي

> من خلال وجودي في الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين بالعاصمة البيروفية ليما، ازددت قناعة بأن مؤسسات النظام المالي والاقتصادي الدولي لم تنشأ لنا وعالمنا الفقير المعدم، فهي مثل الأمم المتحدة أدوات صنعها الكبار للسيطرة على العالم والهيمنة عليه وتقييده حتى لا ينفلت من العقال والقيود التي وضعت لمنع الدول الفقيرة من معالجة قضايا تخلفها وفقرها والاستفادة من مواردها واللحاق بركب التنمية والتطور.
> وتبدو العلاقة العضوية بين الأمم المتحدة ومجلس أمنها الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات المالية والاقتصادية واضحة خاصة في موضوعات الديون الخارجية ذات التماس مع الشأن السياسي، وتتعاون هذه المؤسسات ــ برغم نكران مسؤوليها ــ مع مراكز صنع القرار الدولي في تنفيذ سياسة القوى الكبرى وإرغام الأقطار الصغيرة أو المارقة على الخنوع والخضوع لمرادات ومشيئات من يملك النفوذ الدولي.
> وفي قضية ديون السودان ومن خلال لقاءات وزير المالية ومحافظ البنك المركزي بنظرائهما في اجتماعات ليما ومناقشات الفنيين السودانيين مع كبار موظفي البنك وصندوق النقد الدوليين، تبدت القضية في أوضح صورها وأشكالها، لا يمكن معالجة دين السودان الخارجي البالغ «46» مليار دولار، بمعزل عن تسوية الملفات السياسية مع الغرب خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ دينها على السودان فقط ملياري دولار أو تزيد قليلاً، أي بنسبة لا تتجاوز الخمس في المائة من حجم الدين!!
> ويتحدث الدائنون وممثلوهم الذين التقاهم المسؤولون عن أن قضية ديون السودان يمكن تفهمها ومعالجتها على المستوى الثنائي، لكن أية خطوة لإعفائها لا يمكن حدوثها إذا لم يتم التفاهم مع الأمريكيين!! ولسان الحال دائماً يقول: نحن سنعمل معكم في إطار الحوار للتوصل إلى حل نهائي، لكننا ننتظر الحل مع الأمريكيين الذين لم يصل الحوار معهم حول الديون والعقوبات الأحادية والمقاطعة والحصار ومنع التحويلات بعد إلى خاتمة المطاف.
> ومع تعثر إعفاء ومعالجة تسوية ديون السودان التي تحملها وحده بعد انفصال جنوب السودان على وعد بتسويتها وإعفائها عقب إجراء الاستفتاء على مصير الجنوب والاعتراف بنتيجته، ثم الاتفاق الذي تم في نهاية سبتمبر 2012م، فإن الخيارات المتاحة للسودان بعد نكث الدول الغربية والمؤسسات المالية عن وعدها، هي الرجوع إلى المربع الأول وهو تحمل الديون مع دولة الجنوب واقتسام الأصول معاً، وهو خيار لم يكن الغرب يرغب فيه وقتها بسبب حرصهم على ميلاد آمن للدولة الجديدة وتهيئة الظروف لها لكي تعيش وتحيا دون مشكلات وعوائق.
> إذا رجع السودان للتسوية الصفرية مع دولة الجنوب فإن الغرب والدائنين الغربيين سيواجهون حرجاً بالغاً، وسيفتضح دورهم السالب ومؤامرتهم على السودان حتى لا يخرج من ربقة الدين وقهره، وتعلم الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أن إعفاء الديون يعني اندماج السودان في المجتمع الدولي وحصوله على القروض والمنح والتمويلات للمشروعات الكبرى، ووضع قدمه على منصات الانطلاق نحو النهضة الشاملة، وهذا ليس مطلوباً أو مرغوباً الآن للسودان.