خالد حسن كسلا : الشيوعيون والحوار «أب سن يضحك على أب سنين»
> يعتبر الحزب الشيوعي السوداني كما جاء على لسان زعيمه الخطيب، أن الحوار الوطني السوداني الذي انطلق منذ السبت الماضي بكل ذاك الحضور من العيارات السياسية الثقيلة، كسب للوقت وليس حواراً وطنياً حقيقياً، رغم أنه أحد المدعوين للمشاركة فيه.
> ويقول زعيم الشيوعيين السودانيين أو ما تبقى منهم بعد أن التهمت التوبة والأوبة عدداً مقدراً من مؤسسي الحزب وأهم مثقفيه، يقول إن رؤيتهم هي زوال النظام الحالي بتوسيع جبهة جماهيرية وإقامة دولة ديمقراطية قائمة على المواطنة والمساواة، لكنه لم يحدد ما إذا كانت هذه الدولة الديمقراطية التي يتصورها رأسمالية ذات سياسة سوق حر أم اشتراكية «تأميمية» فيها رب عمل واحد هو الحكومة؟
> وإذا افترضنا أن الحزب الشيوعي قد استمر في حكم البلاد منذ 91 يوليو 1971 واستمر العلم الأحمر هو علم البلاد بدل العالم الحالي «علم حكومة نميري طبعاً» ولم يفشل في الاستمرار بعد اثنتين وسبعين ساعة فقط.. هل كان سيدعو كل القوى السياسية والوطنية لحوار وطني حتى بعد سقوط الإمبراطورية الشيوعية في روسيا وما جاورها؟
> ألم يكن الآن مصيره مثل مصير الأحزاب الشيوعية التي حكمت في موسكو وبخارست وصوفيا؟ أي حوار وطني حقيقي مؤهل للحديث عنه الحزب الشيوعي في أي بلد؟ وأية ديمقراطية وجبهة جماهيرية يتحدث عنها؟
> وهل يُعقل أن يصدق أحد أن الشيوعيين في الحكم الذي إذا وصلوه يصلونه بدون انتخابات طبعاً وبدون عملية ديمقراطية، سيمارسون ثقافة ديمقراطية أكثر من الإسلاميين الذين حكموا في السودان ومصر وتونس وكادوا يحكمون في الجزائر؟ أم نردد هنا المثل الشعبي القائل بأن «أب سن يضحك على أب سنين»؟
> يا سبحان الله.. إن سكرتير الحزب الشيوعي يتحدث لصحيفة تصدر في الخرطوم في ظل حكم الإسلاميين وفي مناخ الحوار الوطني الذي دعوا إليه كل القوى السودانية، يقول بكل جرأة: «رؤيتنا هي زوال النظام»، وحكومة الإسلاميين تعتبره يمارس حرية التعبير.
> ورغم ذلك ورغم تاريخ الشيوعيين في الحكم القسري الديكتاتوري الفظيع، يعتبر الخطيب أن البلاد تحتاج إلى ديمقراطية وبسط حريات، وهو يعلم مصير الديمقراطية والحريات ومدى اشتهاء الناس لها حال كان حزبهم هو الحزب الحاكم.. هو يعلم تماماً ماذا سيصير؟
> إذن «أب سن يضحك على أب سنين». ودائماً هكذا هو الحزب الشيوعي «أبو سن واحدة» وكل الأحزاب حتى الاتحاد الاشتراكي بالنسبة له بأكثر من سن.. وحينما يحدثنا الخطيب عن العمل النضالي نسأل بدورنا: ضد من وضد ماذا كان هذا النضال؟
> ويناضل الشيوعيون دائماً ضد من هم أفضل منهم في كل شيء وبكل المقاييس، حتى أيام ما كانت تسمى الجبهة المعادية للاستعمار، ولك أن تقيس هامش الحريات الدينية في السودان أيام الاحتلال البريطاني البغيض وتقيسه في البلدان التي حكمها الشيوعيون.
> حتى أثناء الأيام الثلاثة التي حكم فيها الشيوعيون السودان من «19» إلى «22» يوليو 1971م كانت تخرج المسيرات الحمقاء بتحريض من قادة ذاك الانقلاب وتهتف «سايرين سايرين في طريق لينين» وتهتف: «الخرطوم ليست مكة».
> فهل كان لينين رمزاً للديمقراطية وإماماً للحريات أم العكس؟ والخطيب يعلم أن الإجابة الصحيحة هي «العكس». وهل كانت الخرطوم بالفعل في الفترة من «16» نوفمبر عام 1970م إلى «19» يوليو 1971م، وهي فترة في حكم مايو بعد إبعاد الحزب الشيوعي من المشاركة في حكم نميري.. هل كانت الخرطوم في هذه الفترة من حيث التزام السلطة بالدين والشريعة الإسلامية مثلما هي الحالة في مكة المكرمة؟
> إن نميري لم يطبق الشريعة الإسلامية بعد طرد الشيوعيين من حكومته في ذاك التاريخ المذكور آنفاً، لكن كان هوس الشيوعيين ومرضهم النفسي ونزعتهم الديكتاتورية النابعة من عقيدة ديكتاتورية البروليتاريا.. كل هذا كان يصور لهم أن أي بلاد لا يحكمها الشيوعيون وهي بلاد مسلمين تكون مثل مكة المكرمة، وهي بلد صليبيين تكون مثل الفاتيكان.
> وإذا عرفنا كل هذا هل تتفقون معي في أن الشيوعيين بانطباعهم هذا عن الحوار الوطني الذي شهده داخل القاعة قادة من التمرد وبتمتعهم بهامش الحريات الكبير الذي يتحدثون فيه عن إسقاط النظام، هل تتفقون معي في أن هذا المثل الشعبي ينطبق على حالهم؟ «أب سن يضحك على أب سنين»؟
> إن الشيوعيين حينما انقلبوا على نميري أحضروا الزعيم العمالي الشفيع أحمد الشيخ ووضعوا على رأسه السلاح وهددوه وخيروه بين أن يدعم الانقلاب أو يكون مصيره التصفية.. هذه هي ديمقراطية الشيوعيين.. ديمقراطية «أب سن واحدة الذي يضحك على أبو سنين.
«غداً نلتقي بإذن الله».