التقاليد تتسبب بسرطان الثدي في موريتانيا
في موريتانيا، يتأخر الكشف عن سرطان الثدي بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية وقلة الوعي الصحي وندرة مراكز الكشف عن هذا المرض في أنحاء البلاد التي يعاني نحو نصف سكانها من الفقر والأمية، أكثريتهم من النساء.
وسط الأوضاع الصعبة وعدم اهتمام السلطات بارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الثدي، تحاول جمعيات تعنى بالصحة نشر الوعي حول أهمية الفحص المبكر للوقاية من سرطان الثدي أو علاجه قبل فوات الأوان. وتخوض الجمعيات القليلة المهتمة بهذا المجال حرباً، ليس فقط ضد ضعف التغطية الصحية وقلة الإمكانات بل أيضاً ضد الخجل والتقاليد التي تمنع كثيرات من اتخاذ الخطوة الأولى نحو الكشف.
فاطمة بنت النين ناشطة في حملة مكافحة سرطان الثدي، تشدد على أن “الخوف والخجل يرفعان نسبة حالات الإصابة المتقدمة في موريتانيا، إلى مستويات قياسية. بالتالي، أصبح الأكثر انتشاراً بين أنواع السرطان، الأمر الذي يصعب عملية العلاج، لأن الكشف المبكر مهم جدّاً في الشفاء من المرض”. وتشير لـ “العربي الجديد” إلى أن “الحملة الحالية لشهر أكتوبر/تشرين الأول الزهري المخصص للتوعية حول سرطان الثدي بين النساء، ليست على مستوى الحدث، بسبب انتشار الحمّى النزفية التي استأثرت باهتمام السلطات الصحية والجمعيات بمختلف اهتماماتها في هذا الشهر. لكن، على الرغم من ذلك، تحاول الجمعيات النسوية كسر حاجز الصمت والتركيز على التوعية”. تضيف أن “في الحملات، نركّز على رفع درجات الوعي حول هذا النوع وتبديد المفاهيم المغلوطة المتعلّقة بمرض السرطان عموماً القائلة بأنه مرض لا يمكن الشفاء منه. كذلك نعمل على كسر الخوف والخجل وتدريب النساء على الفحص الذاتي للثدي والكشف المبكر”.
منذ إنشاء المركز الوطني للأنكولوجيا (علم الأورام) في العاصمة الموريتانية نواكشوط، لوحظ تراجع في عدد المصابات بسرطان الثدي اللواتي يُرسَلن للعلاج في الخارج. وقد ساهم هذا المركز في محاربة السرطان عموماً والحدّ من انتشاره، بالإضافة إلى اكتشاف مرض سرطان الثدي في مراحله الأولى. وبحسب الإحصاءات التي حصلت عليها “العربي الجديد” من سجلات المركز، فإن نسبة المصابات بسرطان الثدي في موريتانيا كانت تشكل 20% في السنوات الأولى لافتتاح المركز، لكن بعد إنشائه انخفضت إلى 15%.
عائشة بنت الكنتاوي (45 عاماً) من اللواتي تعالجن في المركز. هي كانت قد أصيبت بسرطان الثدي قبل ست سنوات، وخضعت لعلاج مكلف في الخارج قبل أن تعود وتستكمله في المركز. تخبر: “شعرت بألم بسيط في صدري وتحت إبطي الأيسر، فخضعت لفحوص طبية بعد ضغط وإلحاح من ابنتي. هكذا اكتشفت إصابتي بسرطان الثدي. وبدأت رحلة العلاج في الخارج. استأصلوا جزءاً من الورم، لأخضع بعدها لجلسات أشعة. وبعد ستة أشهر، عدت إلى موريتانيا حيث خضعت لعملية جراحية لاستئصال الثدي بالكامل. اليوم، تعافيت من المرض وما زلت تحت المراقبة”.
من جهتها، تحاول جمعيات المجتمع المدني بإمكاناتها البسيطة تنظيم حملات وأنشطة توعوية حول سرطان الثدي، لكن جهودها ما زالت قاصرة عن توفير عيادات متنقلة في البوادي والأرياف لتقديم خدمات الفحص المجاني. وهذه المناطق هي التي تعاني أكثر من الحالات المتقدمة من سرطان الثدي. هذا ما يؤكده الطبيب عبد الله ولد سداتي الذي أمضى 14 عاماً متنقلاً بين المراكز الصحية في البلاد. يضيف لـ “العربي الجديد” أن “المناطق الداخلية خصوصاً الأرياف، تعاني من الحالات المتقدمة على خلفية غياب الوعي وضعف التغطية الصحية والفقر. وأغلب الجمعيات تركّز جهودها في المدن من دون أن تعمل أقله على التوعية في البوادي وتوفير العلاج لغير القادرين”.
ويقول ولد سداتي إن “التقاليد والخجل يمنعان النساء في القرى من الخضوع للفحص على الرغم من ضرورته، ويتحاملن على أوضاعهن حتى يتفاقم الوضع”. وهو كان قد قام مع فريق من الممرضات، بأنشطة في القرى التابعة لبلدة مقطع الحجار (جنوب)، تهدف إلى تدريب النساء على الفحص الذاتي. وعلى الرغم من الصعوبات التي لاقتها حملته بسبب رفض الأهالي، تمكّن من جمع النساء وتدريبهن، إلا أنه واصل التوعية حول الكشف المبكر الذي يقي النساء من الإصابة. ويدعو الجمعيات إلى تركيز جهودها هذه السنة على القرى وجمع تبرعات وتنظيم أنشطة ومبادرات لنشر التوعية وتوفير الدعم النفسي والمعنوي للمصابات الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض، نتيجة ارتفاع نسبة الجهل والفقر والبطالة.
العربي الجديد