مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : المتمردون في«جسم واحد».. الفكرة المفخخّة

> وبغض النظر عن برنامج واشنطن التآمري وعن صحة رغبتها في بذل المساعي لإنتاج الحلول لا لإشعال نيران المشاكل بدعمها وتمويلها المفضوح.. وبغض النظر عن النفاق الدبلوماسي الأمريكي الذي يمارسه كل السفراء والقائمين بالأعمال في سفارت واشنطن بالخارج ومنها سفارتها في السودان.
> بغض النظر عن كل هذا، فإن الحديث عن أن واشنطن «تتجه لتجميع الحركات المسلحة في جسم واحد».. فإنها لن تجمعها طبعاً من أجل إنجاح مشروع الحوار الوطني بالسودان.. فهذه ليست من مهام السياسة الخارجية الأمريكية تجاه دولة مثل السودان قبل وبعد قصف مصنع الشفاء للأدوية البشرية والبيطرية. وكانت مجموعة من بعثة السفارة الأمريكية موجودة بالخرطوم بمقرها القديم بشارع البطل علي عبداللطيف حينما قصفت واشنطن مصنع الشفاء.. فلماذا استعجلت إذن.. واشنطن لم تتابع تهمة إنتاج السلاح الكيماوي الذي تنتج اسرائيل الأسوأ منه من خلال السفارة هنا لتثبت؟!
> الحقيقة هي أن واشنطن كانت تستبعد إنتاجه في هذا المصنع الصغير لكنها كانت تستثمر حرب المعلومات المغلوطة التي كانت تشنها عليها المعارضة آنذاك. وهذا يعني نفاق واشنطن وهي تحدّثنا من خلال سفيرها أو أي تابع لها برغبة لديها في تجميع الحركات من أجل إنجاح الحوار الوطني. ويمكن أن تكون واشنطن جادة في تجميع الحركات المسلحة وبالتحديد التي لم تستجب لنداء الحوار الوطني، لكن جديتها هنا ليست من أجل إنجاحه طبعاً، ولا من أجل لم الشمل السوداني وإعادة الأمن والاستقرار كاملين، لأن هذا ببساطة يتناقض مع دعمها المتنوع للتمرد ولأي عدوان ضد البلاد.
> جديتها من أجل إنتاج «قرنق جديد» ولو حاد فيما بعد عن طريق أجندتها تعوّض عنه بإنتاج «سفاكير جديد».. ولو دعت ضرورة مصلحتها تقوم بإنتاج «مشار جديد» في نسخته الأخيرة التي أحرق بها الجنوب ووضع حاله في مستوى الصومال، بل أسوأ منها.
> إذن.. البداية في تجميع المتمردين لإنتاج «قرنق جديد». «قرنق الغرب» مستنسخاً من «قرنق الجنوب». «شهيد الانتقام اليوغندي».. أو «اللعنة اليوغندية». لكن من سيكون قرنق هذا هناك بعد تجميع الحركات المسلحة؟!
> الآن نواة هذا التجميع موجودة.. وهي جسم الجبهة الثورية.. وهو تحالف تمرد رئيسة مالك عقار رئيس قطاع الشمال بالحركة الشعبية «لتحرير السودان» الحاكمة في جوبا فهل يمكن تطوير هذه النواة ليصبح هذا التحالف التمردي جسماً واحداً موحداً على طريقة الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق حينما عاد لها مشار ولام اكول وجلست مع الحكومة عام 2002م للتفاوض الذي انتهى باتفاقية السلام الشامل التي لم تشمل دارفور؟!
> وواشنطن تعتمد تسمية «السلام الشامل» النفاق واللف والدوران، لأنه لا يشمل كل البلاد.. واتفاقية نيفاشا كانت تحمل هذا الاسم لكن واشنطن تحركت في الخفاء بقوة لتدويل قضية دارفور بعد التوقيع على الاتفاق الاطاري.. لمفاوضات «السلام الشامل» في مشاكوس.. وكان اسمه اتفاق مشاكوس.
> اذن.. تجميع واشنطن للحركات المسلحة المنضوية تحت راية حلف الجبهة الثورية من أجل الضغط الميداني على القوات الحكومية، وبالتالي نسف جهود الحوار الوطني في اجواء يسودها غياب الامن والاستقرار تماماً في نصف مساحة البلاد.
> وتجميع الحركات المسلحة في جسم واحد معناه إرغام حركة مناوي على العودة من مناطق حفتر في ليبيا والتوجه إلى عاصمة التمرد المحمية بإجراءات دولية تآمرية «كاودا». وكاودا طبعاً تهبط فيها باستمرار المنظمات الأجنبية تحمل «السلاح والغذاء».. فهو هبوط متكرر
> ومعناه أيضاً إرغام حركة مناوي على التعاون مع حركة عبدالوحد وصرف النظر عن مؤتمر حسكنية الذي كان كسباً ميدانياً للحكومة وهدية لها من التمرد.. وهو الذي فتح الشهية لعشرات الانقسامات فيما بعد.
> و«التجميع» معناه أن تفرض واشنطن شخصية مناسبة لقيادة «الجسم الواحد»..
ولن تختار أحداً من قادة الحركات الدارفورية لأنها سترى أن عضو القيادة العليا للحركة الشعبية ورئيس قطاع الشمال والرئيس الحالي لحلف الجبهة الثورية هو الأنسب. وهو مالك عقار«الوالي الهارب».. بعد أن كان يقول «أنا لي جيش مثلما للبشير جيش».
> وحركات دارفور من الصعوبة طبعاً أن تتفق على قائد واحد من قادتها.. وحتى لو افترضنا إنها اتفقت فإن مالك عقار والحلو سيعترضان.. أما عرمان، فهو ضد ما يقود المتمردين إلى اتفاق مع الخرطوم لأنه لا يحتمل أن يعيش دون أن يكون منسوباً لحركة متمردة تبعده بتبرير قوي عن الإقامة في الخرطوم أو حلة سعيد في ولاية الجزيرة.. فأجواء السلام بالداخل ليست أجواءه.. ومزاجه أن يكون «السلام» في جنوب السودان فقط.. وألا يكون في السودان.
> إذن.. إلا بقرار صارم واشنطن بعد دراسة أمريكية دقيقة لتجميع الحركات في جسم واحد. ورغبة واشنطن تكون في عمل تخريبي بالجسم الواحد.
> لكن هنا نسأل: لماذا لا يكون الجسم الواحد للحركات المسلحة التي انضمت للحوار الوطني.. لكي تكون قوية ومؤهلة لتمثل جزءاً كبيراً من إقليم دارفور؟! ولن تكون هناك قيمة للاتفاقيات التي وقعت عليها الحكومة ولا قيمة لمشاركتها في الحوار الوطني إلا بوضع قواتها في خطوط الدفاع عن إقليم دارفور ضد الحركات التي آثرت الاستمرار في التمرد ورفضت المشاركة في الحوار الوطني. فتوحيدها هي في جسم واحد هو الأهم.
«غداً نلتقي بإذن الله»