عثمان ميرغني

اختبار السقوط.. وسقوط الاختبار


فجأة (انفتحت شهية) الأحزاب وعقدت العزم على جملة من الندوات الجماهيرية المفتوحة.. حزب (الإصلاح الآن) طلب ندوة يوم السبت غداً ولما لم يجد موافقة رسمية من الشرطة أعلن عن ندوة بديلة يوم الثلاثاء القادم بميدان الرابطة بشمبات..
مجموعة تحالف قوى الإجماع الوطني أعلنت عن احتفال جماهيري بثورة أكتوبر في ميدان الأهلية مساء الخميس 22 أكتوبر.. الحزب الشيوعي لم يحدد المكان والزمان لكنه أعلن عن عزمه تنظيم عدة ندوات قال إنها تناقش قضايا الجماهير المطلبية والحياتية.
حزب البعث العربي الاشتراكي .. ندوة يوم الثلاثاء بميدان جامع الخليفة..
انتعاشة جاءت بها نسمات مؤتمر الحوار الوطني المنعقد حالياً في لجانه الست بقاعة الصداقة.
حسناً؛ مثل هذه الحيوية السياسية مطلوبة لأنها تنعش الأحزاب وترفع الآمال في مشهد سياسي معافى من الضجر والملل.. ولكن!!
ماذا تريد الأحزاب أن تقول للجماهير عبر هذه الندوات؟ حسب المتاح من المعلومات عبر بيانات الأحزاب، كل هذه الندوات جاءت من باب (نريد أن نختبر المؤتمر الوطني).. حسناً عندما يركب مواطن حافلة من الحاج يوسف حتى ميدان الأهلية أو الرابطة أو حيثما تكون الندوة المفتوحة.. ماذا أعدت الأحزاب في خطابها السياسي له؟ هل تنوي أن تقول له (نريد اختبار المؤتمر الوطني)؟ سيقول المواطن (إذاً.. المؤتمر الوطني نجح لأن الندوة أقيمت بلا اعتراض)..
في تقديري مثل هذا المسلك من الأحزاب المعارضة فيه قصر نظر مخلّ..
المؤتمر الوطني ليس في حاجة للجلوس لأي اختبار.. فهو لم يسقط وحسب في الاختبارات الماضية .. بل مزّق ورقة الامتحان!!
ونتيجة أي اختبار هي تحصيل حاصل.. فإثبات المثبت هو ضرب من الثبات على الخطل.
الحريات والحقوق الأساسية مكفولة دستورياً بعبارات واضحة في الباب الثاني.. والبحث عنها خارج الدستور يعني عملياً الإقرار بأن الدستور وثيقة غير مرجعية ولا ملزمة.. وفي هذه الحالة تصبح الندوات مجرد تزجية وقت وتسلية لا تدفع ضرراً ولا تجلب خيراً..
أسوأ ما (يتفرج) عليه الآن الشعب السوداني هو منظر المعارضة وهي تستجدي مجرد (ندوات جماهيرية).. إلى هذا الحد انحنت مطالبها السياسية.. فتفرح عندما تحصل على إذن بندوة في ميدان ترابي مغبر..
المعارضة الضعيفة تنجب ديكتاتورية قوية.. وإن لم تستطع الأحزاب أن تبصر وسيلة أكثر حصافة ورشداً في المعارضة.. فابشر بطول السلامة يامربع!!
الندوة الجماهيرية هي وسيلة لإيصال الخطاب السياسي المعارض إلى الجماهير.. محدودة بعدد الحضور فيها ثم قدرة وسائط الإعلام على نقلها إلى دائرة أوسع.. لكن المحك فوق كل ذلك هو في (الرسالة)!!
(الرسالة) هي أشبه بالمادة الفعالة في كبسولة الدواء.. الدواء محفوظ في علبة.. ثم كبسولة تحفظه جيداً لينتقل عبر الوسائط حتى المستهلك.. الذي يبلعها ليحصل على المادة الفعالة في الحبة.. كذلك (الرسالة)..
فما هي (الرسالة) المُكبْسلة التي تريد المعارضة إيصال تأثيرها إلى المُتلقّي؟
صدقوني.. هذه لا حزب معنيٌّ أو مهتمٌّ بها..