الصادق الرزيقي

الفرص مواتية

> تلقت الحكومة إخطاراً ودعوة من الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة السيد ثامبو أمبيكي لاستئناف المفاوضات حول أوضاع المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق في الثاني من نوفمبر المقبل بعد توقف دام ما يقارب العام، وعلى إثر جولات تسع، لم يتحقق فيها شيئاً ملموساً، غير أن ما تحقق دون تفاوض يمثل خطوات كبيرة في سبيل التوصل إلى حل ينهي النزاع المسلح ويقود إلى السلام والاستقرار.. فوقف إطلاق النار والعدائيات تم بمبادرتين من الطرفين، فالحكومة على لسان الرئيس أعلنت عن وقف إطلاق النار لشهرين ثم أردفته بأشهر أخرى، والطرف الآخر الذي يقاتل أعلن هو ذاته عن وقف إطلاق النار لستة أشهر بعد اجتماع باريس الذي ضم فصائل الجبهة الثورية.. ولم تلبث الحكومة إلا أيام قليلة من لقاءات مهمة عقدها وزير الخارجية بنيويورك مع نظرائه خلال اجتماعات الدورة السبعين للأمم المتحدة، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الأمريكي، حتى أعلنت عن قبولها لدخول الإغاثة إلى مناطق جنوب كردفان بشروط مخففة ليست كما كانت في السابق، مما يعني أن الجانب الحكومي قدم تنازلات كبيرة ومستعد لتقديم أكثر عبر بوابة مؤتمر الحوار الوطني المنطلق الآن في الخرطوم.
> في مقابل ذلك، فرضت ظروف ضاغطة على قطاع الشمال اللجوء إلى خيار التفاوض وأبلغ الوسيط الإفريقي سراً عن استعدادهم لعقد جولة جديدة، في أعقاب تطورات مهمة للغاية وذات أبعاد خطيرة على تماسك صف المعارضة المسلح. فالخلاف الذي ضرب الجبهة الثورية وانقسام صفها وفقدان الثقة بين حركات دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال، جعل قطاع الشمال يعيد الكرة مرتين في مستقبل تحالفه غير المقدس مع حركات دارفور، وظن قادة قطاع الشمال إن الحركات ربما توجه له ضربة قاصمة إذا انضمت للحوار الوطني أو هربت للأمام وعقدت صفقة مع الخرطوم ..!
> وآثر قادة قطاع الشمال أن يمارسوا ضغطاً على حركات دارفور، بالإعلان عن الجولة المحدد لها الثاني من نوفمبر المقبل، لإجبارها على تخفيف الخلاف ورأب الصدع مرة أخرى. فالرسالة المراد إيصالها لحركات دارفور، إن الحركة الشعبية قطاع الشمال يمكنها أن تجلس إلى مائدة التفاوض وتصل مع الحكومة لحل في قضية المنطقتين، دون أن تتأثر مواقفها التفاوضية بحلفائها السابقين، وهنا لابد من الإشارة لمسألة مهمة للغاية، فقطاع الشمال في جولة فبراير 2014م كاد أن يوقع على أجندة التفاوض والورقة التوافقية التي قدمتها الوساطة لولا الضغط الذي مارسته حركات دارفور وقيادات الجبهة الثورية الأخرى وتصريحات مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة، أعابوا فيه على قطاع الشمال سعيه إلى إقرار تسوية منفردة مع الحكومة وهاجموا رئيس وفد الحركة المفاوض الذي خاف من قرع طبول الحرب الكلامية، فتعنت وتأبى عليه التوقيع والموافقة على خطة الوساطة وأجندة التفاوض.
> الظروف اليوم تختلف.. هناك رغبة إقليمية ودولية على تسوية الصراع في المنطقتين، كما أن دولة جنوب السودان في ما يبدو لا تستطيع تحمل فاتورة انطلاق وبقاء قوات قطاع الشمال من أراضيها، فالحرج السياسي والأمني الذي سببه لها وجود ربائبها أصبح لا يمكن الاستمرار فيه وتبريره، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذت أو يعتزم اتخاذها الرئيس الأوغندي يوري موسفيني عند زيارته إلى الخرطوم مؤخراً بطرد كل مجموعات الفصائل السودانية المعارضة والمسلحة من بلاده.
> إذا كانت الحركة الشعبية قطاع الشمال تحت ضغط الظروف حولها من تحولات إقليمية إلى خلافات الجبهة الثورية وعدم قدرة دولة جنوب السودان مساندتها في الوقت الراهن، ليست لديها أية خيارات أخرى غير الجلوس إلى مائدة التفاوض، فإن الحكومة نفسها لا تمتلك خيارات غير الموافقة على بدء المفاوضات، فالعلاقة مع الولايات المتحدة والتطبيع الكامل معها والاندماج مرة أخرى في المجتمع الدولي، يمر طريقه من فوق طاولة التفاوض وما يتم بشأن المنطقتين.. فالفرص تبدو متقاربة وليست متكافئة، وبداية الجولة وأجندة المفاوضات هذه المرة تبشر بفرص مواتية لتحقيق حل ينهي حالة الحرب ويعيد المنطقتين إلى دائرة الاستقرار والسلام. فهل ينجح طرفا التفاوض في استثمار الفرصة التي لاحت والتقاط القفاز؟!..