محمد لطيف : هـــل تنهار.. الجبهة الثـورية؟!
رغم أن نشأة جبهة نهضة دارفور قد سبقت قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان بنحو عشرين عاما.. ورغم أن تلك الجبهة قد نجحت في حمل رئيسها المستقل أحمد إبراهيم دريج إلى البرلمان القومي في انتخابات حرة ونزيهة.. في عهد ديمقراطي.. إلا أن الحركة الشعبية تأسست لديها قناعة مبكرة أنها هي الراعية والمؤسسة والداعمة لحركات مطلبية نشأت في دارفور.. واجتهدت الحركة في وضع بصمتها المبكرة على دارفور.. داود يحيى بولاد نموذجا.. ولعل شخصية قرنق المهيمنة والآسرة قد عززت ذلك المسعى.. كذلك الثقل النوعي السياسي الذي حصلت عليه الحركة الشعبية.. والدعم اللوجستي المتصل.. كانت كلها مما عزز صورة الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك بوصفها الراعية للمهمشين..!
إن أي قراءة لقيام الجبهة الثورية بمعزل عن هذه الخلفية لن يكون دقيقا..
نجح قطاع الشمال في مرحلة ما في إخراج حركات دارفور من سياقها التاريخي.. ومن حاضنتها الطبيعية في الغرب.. إلى الشرق.. لا على مستوى القيادات السياسية فحسب.. بل حتى على مستوى القوات الضاربة على الأرض.. كان منطق قطاع الشمال الذي أقنع به حركات دارفور أن اختراق السودان من جنوبه.. وعند وسطه.. أيسر من اختراقه من الجبهة الغربية الطويلة والمكشوفة.. وكان فشل عملية الذراع الطويلة.. حاضرا دائما ليعطي النموذج.. ثم كان انهيار النظام الليبي ثم التقارب التشادي السوداني.. كلها عوامل جذب لتلك الحركات شرقا.. فجاءت القوات الضاربة.. صحيح أنها نجحت في تنفيذ عملية أبو كرشولا.. مما ضاعف الإحساس بإمكانية تحقيق المستحيل.. ولكن الصحيح أيضا أن الحكومة قد ثأرت سريعا حين استدرجت القوات الضاربة من حركة العدل والمساواة وسحقتها في النخارة.. ويبدو أن نقطة التحول قد بدأت من هناك.. فالوعد المبذول لحركات دارفور بدورية القيادة في الجبهة الثورية كان سببه أن للحركات.. وخاصة العدل والمساواة قوتها الضاربة.. وحين ضعفت القوة الضاربة.. ضعفت معها مشروعية أن تقود الجبهة الثورية.. ثم.. ومن الذي سيقودها..؟ الدكتور جبريل إبراهيم.. وسيرته الذاتية لكل من يعرف..؟ كادر إسلامي نشط أولا.. ثم.. يظل محسوبا على المؤتمر الشعبي في مرحلة ما.. منذ أن تأسست حركته..؟ هكذا توصيف يجعل من الصعب على قائد مثل ياسر عرمان ممسك بكل الخيوط.. يقبل أن يتقدم عليه جبريل.. حتى ولو أجمعت عليه دارفور.. وهو الأمر الذي كانت تراهن قطاع الشمال على عدم حدوثه حتى لو انفلق البحر.. وحين وقعت المفاجأة واتفق القادة مني أركو مناوي وعبد الواحد نور على أن يكون جبريل رئيسا للجبهة الثورية سقطت الأقنعة.. وانجلت الحقيقة.. وتأسست مواقف جديدة..!
وغير بعيد عن هذا.. فدونك ورشة أروشا التنزانية التي تداعت إليها قيادات وكوادر الحركة الشعبية شمال.. للبحث في مستقبل المنطقتين.. أي النيل الأزرق وجنوب كردفان.. وليس دارفور.. هذا يعني في الحد الأدنى أن قطاع الشمال يتحسب لأية تطورات تفصل قضية المنطقتين وتخرجها من أحلام الجبهة الثورية.. والفجر الجديد.. كما تعني في حدها الأقصى.. تشكل القناعات النهائية لقطاع الشمال أن الجبهة الثورية قد انتهت كمرحلة من مراحل النضال.. صحيح أنها قد حملت قطاع الشمال إلى موقع متقدم.. ولكن الوصول إلى نهايات سعيدة يحتاج إلى آليات جديدة.. مثل الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ومنبرها التفاوضي في أديس أبابا..!