الحزب الذي أحرج «94» حزباً
«1»
> في تسعينيات القرن الماضي كانت الخرطوم تتعامل بشيء من الخجل مع «بوسترات» فنان تنتشر إعلانات حفلاته في شوارع الخرطوم ومواقفها وأعمدة كهربتها بصورة تجعل «الخميس» في الخرطوم منطقة مغلقة له.
> وإن جاء «الخميس» في بداية الشهر أو أوله مطلقاً هكذا في آخر الأسبوع كما اعتدنا على ذلك ــ إما أن تكون في حفل «محمود عبد العزيز» أو أنك غادرت العاصمة عبر السوق الشعبي أو موقف شندي للجزيرة أو الشمالية.
> وقتها لم تكن مواقع التواصل بذاك «الصحو» ولا كانت الهواتف الذكية بذلك «الذكاء» الذي هي فيه الآن.. لذلك كانت «دفاتر» طلاب الجامعات وأجندة دروسهم تدون أغنيات محمود عبد العزيز «سيب عنادك» و «يا عمر» و «لهيب الشوق» و«نور العيون» و«شائل جراح» كما تدون المحاضرات والدروس.
> كانوا يخلطون الطب والقانون والاقتصاد بشيء من أغنيات «الحوت».
«2»
> في مطلع الألفية الثانية ثبّت محمود عبد العزيز ثقافته وأصبح فناناً له مناخ وطقس وجغرافيا وفصول.
> الإحساس بمحمود عبد العزيز انتقل من «دفاتر المحاضرات» إلى «ضهرية» الركشات وعربات الأمجاد والهايس والحفالات والباصات السفرية.
> حيث لا تخلو «خلفية» عربة من مقطع من مقاطع أغنيات الفنان محمود عبد العزيز.. حتى تكاد تظن أن إدارة المرور اشترطت ذلك لترخيص المركبات.
> لقد بدأت «المركبات» العامة والخاصة تتفاعل مع أغنياته وصوره وتشعر به، فهي كأنها تطرب له كما يطرب الشباب وهو يغني لهم «بعد ما قلت خلاص من الغرام توبة».
> لقد بلغ طربه «المركبات العامة».
«3»
> لم يحتج محمود عبد العزيز لمنبر إعلامي «إذاعة أو تلفزيون» لينفذ من خلاله عبر الهواء الطلق.
> صوته لم يكن يحتاج لوسيط.
> وما بدأت نجوميته بالكتابة عنه أو نشر صوره في الصحف، فقد كان محمود عبد العزيز يكابد وحده وهو مرفوض من الإعلام ومهاجم وممنوع من الإطلالة عبر المنابر القومية.
> حتى جاء الوقت الذي منعت فيه حفلاته في الخرطوم.
> ثم منعت بعد ذلك حفلاته في بعض الولايات بسبب تدافع جماهيره والعجز عن السيطرة عليهم.
> في الوقت الذي كانت تنشر فيه الأخبار التى تقلل من مكانة محمود عبد العزيز وتضعف نجوميته.
> لكنه من خلال تلك الصعاب نفذ ووصل لمكانة فشل في الوصول إليها من فُرشت لهم الأرض بالورود والزهور.
> حتى المرض عندما تمالك بدنه لم يقعده، فقد كان يغني وهو في أشد حالات الوجع والحزن.
«4»
> رحل محمود عبد العزيز فكان حضوره الطاغي هذا ــ ربما ــ وفاءً من «الخصوصية» التى تميز بها «جمهور» محمود عبد العزيز.
> فقد ترك محمود عبد العزيز «جمهوراً» يحفظ فنه ويعرف قدره أبد الدهر.. فإن كان محمود يغني لهم قبل الرحيل فقد أصبح جمهوره يغني له بعد الرحيل، ليكون ذلك التبادل بين الفنان والجمهور قبل وبعد.
> جمهور محمود عبد العزيز يشكل «مستحيلاً» آخر من مستحيلاته، وهو يفرض ثقافته وحضوره وأدبه.
> وقبل ذلك كله «أعمال الخير» التى يقوم بها جمهور محمود «الحواتة» لتبقى «رسالية» الفن بذلك الجمال والألق والوفاء.
> الحواتة تفوقوا على كل الأحزاب السياسية المعارضة والمشاركة في الحوار والتى تملأ لافتاتها الآن شوارع الخرطوم تحت عنوان «مؤتمر الحوار الوطني».
> مجموعة «أقمار الضواحي» دشنت قبل أيام حملتها العاشرة للتبرع بالدم التى جاءت لصالح أطفال السرطان.. وهذا ما جعلنا نكتب عن محمود اليوم.
> أين أحزابنا السياسية؟
> هذه هي الحملة العاشرة لـ «أقمار الضواحي» ورحيل محمود عبد العزيز لم تمض عليه ثلاث سنوات.
> وغير ذلك فإن التواصل الاجتماعي والثقافي بين جمهور محمود عبد العزيز أكبر من كل الحملات السياسية والندوات.
> أحزابنا السياسية لا تنشط ولا تشعر لها بوجود إلّا عند اختلاف قياداتها..لا أثر لهم غير ذلك.
> لقد أحرج حزب محمود عبد العزيز كل الأحزاب السياسية المشاركة والمقاطعة للحوار.
> نحن لا نحتاج إلى أحزاب لا وجود لها إلّا في «لافتات» الحزب أو في «منصة» الحوار.