احترس…امامك فنان (ظل).!
في فترة الستينات والسبعينات، كانت الساحة الفنية تشهد صراعاً كبيراً بين الفنانين السودانيين، حيث كان الجمهور آنذاك يمنح اذنه لمن يقنعه بأغنياته وادائه، ولم يكن لـ(المجاملة) حضور آنذاك، فيما كانت منابر الإعلام ضئيلة جداً مقارنة بالعصر الحالي، الامر الذى اسهم في إشتداد المنافسة بين اولئك الفنانين من اجل حجز مقعد لهم وسط تلك المنابر الاعلامية وإيصال اغنياتهم للجمهور.
لاحقاً، تغير الزمان، وبالتالي تغيرت الساحة الفنية نفسها، فيما حدث إختلال في موازين الكثير من ثوابتها، اضافة الى ظهور اعداد هائلة من الفنانين قابلها على الشط الآخر إزدياد منابر الإعلام ودخول (الميديا)، الشئ الذى جعل المنتوج الفني غزيراً للغاية، مما اربك حسابات الجمهور السوداني نفسه وجعله غير قادر على التركيز في مايقدم من اغنيات، تلك الجزئية التى استغلها بعض الفنانين الجدد وفضلوا ان يجعلوا ذلك الجمهور قادراً على التركيز مع مايؤدون من اغنيات عبر اللجؤ الى خيار (إثارة الجدل) او ماعرف مؤخراً بـ(الغناء الهابط).
عبر هذه المساحة، لست بصدد الحديث عن الغناء الهابط، بل عن (فناني الظل) تلك الشريحة من الفنانين التى ظهرت مؤخراً، وظلت في ازدياد رهيب كل صباح.
وقبل الحديث عن (فناني الظل) انفسهم علينا ان نقدم تعريفاً موجزاً للقارئ الكريم عن ماهية (فنان الظل)، وهو بإختصار ذلك الفنان الذى يفشل في مجاراة ابناء جيله، ويختار البقاء في الساحة الفنية (كامناً) لحين ميسرة، او لحين إعتزال، لافرق.
في فترة الستينات والسبعينات، لم يعرف الجمهور لـ(فناني الظل) سبيلاً، وذلك للاسباب التى ذكرناها اعلاه، الى جانب ظهور اولئك الفنانين كل بلونية مختلفة الامر الذى اسهم في منح كل منهم مايميزه عن غيره، لذلك لم يكن هناك اي ظهور لـ(فنان ظل) في تلك الفترة.
اليوم، ومع الاسف الشديد، باتت الساحة الفنية في السودان تعجّ بـ(فناني الظل)، وذلك بعد ان اصبح الغناء (مهنة من لامهنة له)، وبات هو الوسيلة الامثل للعبور من نفق الفقر والظروف الاقتصادية الى مصاف (النعيم) والنجومية، الامر الذى دفع مئات الشباب لاقتحام الساحة الفنية لتحقيق ذلك الهدف عبر (الغناء)، حيث لم يكلف الكثير منهم عناء تقديم انفسهم بصورة مختلفة للجمهور، وعملوا على تقليد تجارب العديد من الفنانين الذين سبقوهم، في محاولة منهم لكسب الوقت لتحقيق اسم فني سريع يجلب لهم (المال)، في حين ان الصورة قديماً كانت تختلف، فالفنان كان يلجّ الى الساحة الفنية لإغراض إشباع الارواح بالفن ويعمل على دعم ذلك بالجد والمثابرة والتنقيب عن النصوص الجديدة والالحان المميزة، فيما كانت المكاسب المادية عبر الغناء هي آخر اهتماماتهم وذلك ماتؤكد عليه المهن التى كان يمتهنها عمالقة الغناء في السودان والتى كانت بعيدة كل البعد عن الفن، مما يؤكد ان ولوجهم للوسط الفني لم يكن اطلاقاً بدافع البحث عن المكسب المادي.
شربكة أخيرة:
لدينا في الساحة الفنية اليوم عشرات النماذج لفناني (الظل)، وهم يعرفون انفسهم جيداً، ولايحتاجون منا الى (توضيح بالاسم)، يكفي ان يقف كل واحد منهم تحت (شمس الحقائق) ليستبين (ظله).!