د. جاسم المطوع : (6) قصص في دبلوماسية المرأة وذكائها
فتاة تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما، سافرت مع زوجها في رحلة شهر العسل، وأقاما في فندق خمس نجوم، وعاشت معه أحلى ليالي عمرها أنسا وفرحا ومسامرة وسهرا، وفي ليلة من الليالي فتح زوجها ثلاجة الغرفة وأخرج خمرا وكأسا وقال لها: افتحي لي هذه الخمرة لنشرب سويا، ففوجئت من موقفه هذا لأنها لا تعلم أن زوجها يشرب الخمر، ولكنها تمالكت نفسها واقتربت من زوجها فقبلته وقالت له: أنت تعرف أني أحبك كثيرا، وأنت حياتي وعمري، ثم همست في أذنه قائلة: ولكن حبي لربي أكبر وأعظم، فاستغرب الزوج من ردة فعلها ورفضها لطلبه بهدوء وذكاء، فتأثر بكلامها وأخذ الخمر بيده على استحياء ثم أعاده إلى الثلاجة مرة أخرى، فقبلته قبلة ثانية وشكرته على موقفه الشجاع.
وقصة أخرى تبين دبلوماسية المرأة وحسن تصرفها، عندما طلب زوج من زوجته أمرا محرما في المعاشرة الزوجية، إلا إن الزوجة قالت له بحكمة وهدوء، أنا لا مانع لدي من الاستجابة لطلبك، ولكن لو سألني الله تعالى يوم القيامة: لماذا وافقت زوجك على هذا الفعل المحرم؟ فماذا تقترح علي أن أجيب عن هذا السؤال يوم الحساب؟ فصمت الزوج برهة ثم صرف نظره عما طلب، ولم يطلب منها هذا الأمر مرة أخرى، ومازالت الحياة الزوجية قائمة بينهما حتى الآن، والحمد لله.
وقصة ثالثة عشت تفاصيلها مع الزوجين منذ شهر، وهي أن امرأة اكتشفت حب زوجها للنساء، والتعرف عليهن من خلال “تويتر وإنستغرام”، ففتحت حسابا باسم وهمي وتواصلت مع زوجها بـ “تويتر”، فتعرفت على ما يحب وقويت العلاقة بينهما، حتى صارحها بالمشاكل التي يعانيها من زوجته، وهو لا يعلم أن التي تكلمه باسم وهمي هي زوجته الحقيقية، واستطاعت بذكائها أن تحقق طلباته وتتجاوز عما لا يحب، حتى ترك هذا الزوج التحرش بالنساء تماما، واكتفى بزوجته.
ولعل من غرائب القصص التي عشتها أن زوجا طلب من زوجته أن تشرب معه خمرا فرفضت طلبه بشدة، وقالت له وهي في حالة غضب: إذا أردت أن تشرب وتسهر على الخمر فلماذا تزوجتني وأنا مسلمة! اذهب وتزوج غير مسلمة حتى تحقق لك أمانيك، ثم خرجت إلى بيت أبيها، ولكنها فوجئت بعد أسبوع أنه تزوج امرأة نصرانية وأخذ بمقترحها.
وأغرب منها أن زوجا دائم التحرش بالنساء من خلال “فيسبوك وتويتر”، يواعدهن بالمقاهي والمطاعم، ويكذب عليهن ويقول إنه مطلق وغير متزوج، فلما علمت زوجته بأفعاله حاولت أن تبعده عن هذا السلوك، إلا إنه كان مصرا على الاستمرار بعلاقاته النسائية، فجاءتها فكرة ذكية وهي أن تتعرف إلى كل امرأة يتعرف زوجها عليها بالشبكات الاجتماعية، فتتحدث معهن وتوضح لهن أنه متزوج، وأنها حريصة على استقرار بيتها، وتطلب منهن قطع العلاقة به وعدم الاستجابة له، فكنّ يستجبن لطلبها، والزوج لاحظ بأنه كلما تعرف على امرأة ورتب معها موعدا للقاء يفاجأ بإلغاء هذا الموعد فورا، فاستثمرت الزوجة هذه الفرصة بتوصيل بعض المعاني الإيمانية لزوجها، بأن الله إذا أحب إنسانا أبعده عن المعصية، وقد تأثر بما حدث.
فالمرأة لو استخدمت ذكاءها ودبلوماسيتها في التعامل مع المشاكل الزوجية والتربوية لجنبت نفسها مشاكل كثيرة، واستطاعت أن تتعامل مع الصدمات الاجتماعية بطريقة سلسة، فتحولها من مشكلة إلى فرصة، ومن موقف سلبي إلى إيجابي، وقد ذكر الله تعالى في القرآن نساء استخدمن ذكاءهن بطريقة إيجابية، ومنهن الملكة بلقيس عندما اختبرت سليمان عليه السلام بالهدية، وأخت موسى عليه السلام عندما كانت تراقب قصر فرعون، ورأت المراضع يخرجن فاقترحت عليهم مرضعة وكانت المرضعة هي أمها، وفتاة شعيب عليه السلام، عندما عرضت رغبتها بالزواج من موسى عليه السلام بطريقة ذكية ودبلوماسية، أما امرأة العزيز فقد استخدمت ذكاءها بمعصية الله تعالى وبطريقة سلبية، وذلك برغبتها بخيانة زوجها مع يوسف عليه السلام.
أما السيرة النبوية ففيها قصص كثيرة في بيان دبلوماسية المرأة، وكذلك قصص الصحابيات رضي الله عنهن، ومنها قصة أسماء مع زوجها الزبير بن العوام، رضي الله عنهما، فقد كانت في بيتها بالمدينة المنورة فطرق الباب عليها رجل فقير وطلب منها أن يبيع عند باب بيتها، وهي تعلم شدة غيرة زوجها الزبير، فتصرفت بحكمة وذكاء، وقالت للفقير اذهب وائتني بعد الظهيرة، فذهب ورجع وقت الظهيرة وكان زوجها الزبير في البيت، فطرق الفقير الباب وطلب نفس الطلب، فقالت له أسماء: اخرج ولا تبع عند بابنا، فقال لها الزبير: اتركيه يبيع ما لديه، ثم التفت إلى الرجل وقال له اجلس وبع ما تشاء، يقول الرجل: فبقيت أبيع حتى أغناني الله تعالى، فحافظت أسماء على علاقتها بزوجها بطريقة ذكية، وأدارت الموضوع بطريقة يقبلها زوجها، ولو وافقت عليه ورجع زوجها إلى البيت وشاهد الرجل عند بابه يبيع لغضب منها.
وفي ختام هذه القصص أقول: إن المرأة هي عمود البيت، وهي السبب الرئيسي في حفظ البيت واستقراره، ولهذا فهي تحتاج إلى تعلم مهارة الدبلوماسية في إدارة المواقف، والحكمة في التعامل مع الأحداث، والذكاء في المواقف الحرجة، وهذا يحتاج إلى تدريب وتعليم، ونحن في الغالب لا نهتم بهذه المفاهيم عند تربية الفتاة أو تهيئة أمهات المستقبل، والمقبلين على الزواج.