منى عبد الفتاح : المملكة وإصلاح مجلس الأمن
عندما تُبدي المملكة العربية السعودية، رغبتها في التعاون مع بقية الدول الأعضاء، لتحسين مجلس الأمن وإصلاحه ليكون قادرا على الاضطلاع بمهامه الأساسية في صون السلم والأمن الدوليين والدفاع عن الشرعية الدولية؛ يكون ذلك نابعا من حجم المسؤولية على عاتقها.
وتجيء خصوصية المملكة كونها أكبر الدول الفاعلة في محيطها العربي والإسلامي، بالإضافة إلى أنّها إحدى الدول الموقّعة والمؤسسة لميثاق الأمم المتحدة قبل سبعين عاما.
لا بد من الاعتراف بأنّ مجلس الأمن يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات في مواجهة التحديات الدولية.
وموقع السعودية وثِقلها الإقليمي يجعلها تتبوأ دورا فاعلا من ضمن الدول التي أبدت استعدادها لهذه المهمة.
الحدث الأبرز الذي لفت أنظار العالم لتحفظات المملكة بخصوص ضرورة هذا الإصلاح هو قرار اعتذارها عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن.
وكانت المملكة قد انتخبت لعضوية مجلس الأمن في 17 أكتوبر 2013، لتشغل المقعد للفترة من 2014- 2015.
لم يخفِ بان كي مون وقتها أنه يحبذ انخراط الدول الأعضاء في هيئات الأمم المتحدة مع العمل على تحسين طرق عملها، بتأكيده على أنّه يتطلع لاستمرار العمل مع المملكة العربية السعودية لمواجهة كثير من التحديات، ومن بينها إنهاء الحرب في سوريا، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، والمساعدة في تحقيق عملية انتقالية ناجحة في اليمن، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجها، وفي مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.
مع أنّ موقف المملكة تم دعمه بشدة من بعض الدول، إلّا أنّ المعضلة الأساسية هي أنّ أيّ إصلاحات في مجلس الأمن، قد تتم عرقلتها إذا لم تصب في مصلحة الامتيازات التي تحظى بها الدول الخمس دائمة العضوية، صاحبة حق النقض «الفيتو» وهي دول الحلفاء التي ربحت الحرب العالمية الثانية (روسيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى الصين).
ولكي يعلو صوت المطالبة بضرورة هذه الإصلاحات لا بد من وجود فعلي للمملكة في مجلس الأمن الدولي الذي يتألف من 15 مقعدا بما فيها الخمسة الدائمة.
في الواقع لم تتغير أسباب الاعتذار وهي سياسات مجلس الأمن الدولي التي جاءت في بيان وزارة الخارجية السعودية، فيما يتعلق بآليات العمل وازدواجية المعايير في المجلس والتي تحول دون قيامه بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب.
وتبعا لذلك اتسعت رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم.
تنبع أهمية وجود المملكة العربية السعودية في مجلس الأمن من ضرورة خلق توازن في بيئة المجلس وهي بيئة خاضعة للسياسة الدولية الواقعية، فهي رغم بروتوكولها الأخلاقي المثالي، إلّا أنّها واقعيا تؤمن بالحروب والمعارك كطبيعة بشرية وسياسية دولية ولم يصل المجلس إلى مرحلة أن يكون سلطة عليا يحمي العالم.
وهذا ما يُفسّر تقاعسه عن حلّ كثير من مشاكل الشرق الأوسط، فقد فشل المجتمع الدولي عن معاقبة النظام السوري واكتفى بنزع أسلحته الكيماوية، كما عجز عن حل القضية الفلسطينية منذ أكثر من ستين عاما، وذلك بسبب أنّ هذه الدول لا تتساوى في درجة انشغالها بالقضايا الدولية وتتفاوت اهتماماتها بها حسب تأثيرات القوة والمصالح والتحولات الثقافية.
بالرغم من أنّ الحفاظ على السلام هو شغل مجلس الأمن الشاغل، إلّا أنّ اعتبارات الأمن تحكمها وسائل متعارف عليها وهي توازن القوى الذي يتحكم في القوانين والأخلاق الدولية.
وبإمكان المملكة أن تدخل في لعبة التوازن هذه من خلال التأثير والضغط لإبقاء الصراع من أجل القوة ضمن إطارات سلمية عن طريق تحديد النزعات الفوضوية في السياسات الدولية وتقييدها، وهذا أمر ليس بمستحيل على دولة بحجم المملكة وفي موقعها الجيواستراتيجي.