ما بين السودان والمملكة
> زيارة السيد رئيس الجمهورية للمملكة العربية السعودية أول من أمس، وتوقيع الاتفاقيات التي تعزز التعاون الاقتصادي والاستثماري وفوائدها التنموية على السودان، هي تطور كبير في مسار العلاقات بين البلدين الشقيقين، ولم ولن تكون نتائجها الكبيرة والضخمة بالنسبة للسودان بمثابة مكافأة له على مشاركته في عاصفة الحزم والحرب لاسترداد الشرعية في اليمن، كما تحاول بعض الجهات تصور التنامي المضطرد في علاقة الخرطوم والرياض.
> تنظر كثير من الأعين المريضة الرمداء لعلاقة السودان بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة الأخيرة ومتانتها كأنها علاقة ظرفية فرضت إيقاعها الأحداث العاصفة التي اجتاحت المنطقة وخاصة اليمن، وجد السودان نفسه في لجتها وسابحاً مع تيار تقوده المملكة في الحرب ضد الحوثيين ومحاصرة التمدد الشيعي في المنطقة، وتنسى هذه الأعين الحاقدة أن العلاقة الأخوية التاريخية العميقة بين السودان والمملكة عصية على الانفصام والبرود والقطيعة مهما كانت الظروف. فمعروف أن علاقات الدول مع بعضها البعض تمر بفترات تضعف فيها العلاقة وقد تصل حد العداء وتنحدر إلى الحضيض، لكن العلاقة بين الدول الشقيقة كحالة السودان والمملكة مهما كان سوء التفاهم مخيماً لبعض الوقت، فإنها لم تتراجع وتسقط الى القاع، لإنها تمتلك القابلية على تجديد مساراتها واستعادة دفئها ذاتياً والانطلاق مرة أخرى بقوة دفع أكبر ورغبة أكثر في رسم معالم الطريق الجديد لصالح الطرفين والأمة كلها..
> ولا يخطئ أي مراقب من ملاحظة أن قدرة القيادتين في البلدين، على استبصار ما يمر الآن بالمنطقة العربية من أخطار ومهددات وتحديات كلفتها العالية، هي التي رسمت الإطار العملي للتحرك والعمل المشترك وعززت من التفاهمات السياسية والتنسيق، مع إدراك أن أساس هذه العلاقة التعاون والتنسيق والتفاهم وقاعدته، ظل موجوداً على الدوام ومحافظاً على صلابته ومنعته وفاعليته. فالمملكة العربية السعودية، ظلت ناضرة ونابضة في قلوب السودانيين بدورها الكبير في الحفاظ على بيضة الإسلام والدفاع عنه وعن مقدساته وحرماته، خاصة الحرمين الشريفين. ولم تغب عن الحضور الدائم في معالجة كل هموم الأمة العربية والإسلامية، ولها أيادٍ بيضاء وعطاء لم ينقطع وسعي لم يتقاصر من أجل وحدة العالم الإسلامي والعربي وسلامة أوضاعه واستقراره، وهذا الدور الكبير للمملكة ظل كما هو منذ تأسيسها وحتى اليوم وهي ترفل قروية ومنيعة في عهد خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود..
> ما جرى خلال زيارة الرئيس البشير الأخيرة للملكة والزيارات التي سبقتها والمشاورات التي تجري بينه وشقيقه الملك سلمان، يؤكد أن الرياض والخرطوم تقدمان أنموذجاً جديداً في التعاون والتنسيق والتفاهم، مبني على وضوح الرؤية وقوة الإرادة السياسية البعيدة عما يتصوره البعض في مقتضي توجهات المحاور الإقليمية الراهنة والأحداث التي تعصف بقوة في المنطقة العربية..
> وليس وارداً أو صحيحاً على الإطلاق طيلة الأشهر الماضية منذ هبوب عاصفة الحزم في سماء اليمن، وما يتعرض له الفضاء العربي من مخاطر، ونشوء تحالفات جديدة ذات أبعاد دولية، إن سعى السودان لجني ثمار المرحلة وبيع موقفه من أحداث اليمن أو غيرها. فالتحرك من ثابت ومنطلق مبدئي وقناعات متجذرة راسخة تستند على حقائق موضوعية، هو ما دفع السودان ليكون في الموقع الذي في الآن، وظلت الرؤية السياسية السودانية على صوابيتها لم تتزحزح، من واقع تجربة طويلة في الحكم وقراءة متفحصة لما يمر بالمحيط الإقليمي كله عربياً وأفريقياً، وهذه الرؤية مكنت القيادة عندنا من تحديد أبعاد الخطر وإحداثياته ومدى قربه وبعده من تهديد قلب الأمة ومركز نبضها الحضاري والسياسي والاقتصادي.
> ولذلك فإن التفاهم بين السودان والمملكة في مختلف المجالات والعمل معاً في تسوية الكثير من قضايا المنطقة، والتعاون في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها لفتح الطريق للنهضة والتنمية والاستثمار، ستعود بالفائدة لكل العرب وليس السودان والمملكة وحدهما، ففي تطوير هذه العلاقة بعد نظر وإدراك عميق لأغوار الواقع واستشراف لآفاق المستقبل..