محمد لطيف : تفويض الحكومة السودانية.. لرفع العقوبات الأمريكية
من قبل.. لُدغنا مرتين من حكاية وفد أمريكي زائر لتحسين علاقات البلدين.. مرة حين جاءوا بوفد قالوا إنه يمثل كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية.. فاتضح أنهم لا يمثلون أي شيء.. ثم.. الثانية وكانت أنكى.. فذات الوفد الذي جاءوا به.. عاد به مرة أخرى.. ولكن بعنوان جديد.. رجال أعمال ومستثمرون أمريكيون يرغبون في الاستثمار في السودان.. وانتهى الأمر للا شيء كسابقه سوى إهدار ملايين الدولارات من مال الشعب.. لذا حرصت على الاقتراب من وفد الكونجرس الذي زار السودان مؤخرا.. صحيح أنني لم أتمكن من الاقتراب بما يكفي لسماعه كفاحا.. رغم سعينا لذلك.. ربما هذه تقديرات المنظمين.. لكن الصحيح أيضا أن المصادر الحية والميديا الحديثة ما وجدت بعيدا إلا وقربته..!
قبل سنوات كان وفد أمريكي يزور الخرطوم.. أيضا.. فقط الفرق أنه لم يسبقه إعلان بنية تحسين العلاقات.. فحشدت السفارة الأمريكية في الخرطوم من رأت أنهم يمثلون مختلف قطاعات الحياة في السودان.. فطفق أولئك يتحدثون عن الآثار السالبة للعقوبات المفروضة على الشعب السوداني.. تحدثوا عن تدهور المشاريع كافة.. تحدثوا عن سقوط الطائرات والضحايا.. تحدثوا عن موت الأطفال والحوامل جراء النقص في الأدوية أو الاعتماد على أدوية متدنية الجودة.. تحدثوا عن ارتفاع تكلفة النقل جراء تعطل قاطرات السكة الحديد وأثر ذلك على عموم الأسعار والغلاء الذي يطحن الفقراء.. وحين فرغ آخر سوداني من بث شكواه على مائدة الأمريكان.. لم تكن دمعة واحدة قد نزلت من عين أمريكي.. بل جاءهم الرد الصاعق.. إننا نعلم كل ذلك.. وأكثر.. ولكننا نعلم أيضا أن كل ذلك مطلوب.. من جانبنا.. أما المطلوب من جانبكم فهو أن تتحركوا لإحداث التغيير..! إذن ذلك الوفد لم يكن لديه شيء لممثلي الشعب غير تذكيرهم بدور الشعب في التغيير.
ثم يهبط الخرطوم وفد جديد.. وفي لقاء مماثل.. فقط خارج السفارة هذه المرة.. يدور ذات الحوار الأحادي.. الأمريكيون يستمعون.. وممثلو الشعب يرفعون شكواه.. في قطع الغيار.. وفي الدواء.. وفي التحويلات المصرفية.. مع التركيز على مدخلات الزراعة.. المجال الرئيس لنشاط الراعي.. صحيح لم يكن الجو العام ممكنا فيه الحديث عن الفقراء ولكن ثمة إشارات صدرت هنا وهناك عن ضغوط الحياة على الشعب.. وتماما كالمرة السابقة لم يكن للوفد ما يقدمه من حلول.. غير أن الجديد هذه المرة أيضا.. أنه.. أي الوفد.. أشار لمن التقاهم إلى مكان الحل.. قالوا لهم.. اذهبوا لحكومتكم وهي تعلم كل شيء.. ثم يشرح الوفد.. حكومتكم تعلم تماما ما هو المطلوب منها لرفع العقوبات.. نحن ليس لدينا ما نفعله.. أمريكا ليس لديها ما تفعله..! يمكن الخروج بعنوان ظريف يقول إن.. الوفد الأمريكي الذي جاء لرفع العقوبات قد فوض الحكومة السودانية للقيام بهذه المهمة..!
ومراقب مستقل يقول لي.. إن كان لهذا الوفد من مهمة.. فهي التأكد من صمود الحكومة.. ومدى قدرتها على مزيد من الصمود..!
وبين هذا وذاك.. هل حقا هو وفد بهذا الثقل..؟ عضو بارز في الوفد الأمريكي يفاجئ محدثه بسؤال: هل انفصل الجنوب أم لا يزال جزءا من السودان..؟!! ولأن محدثه ممن عرفوا بالدقة يتساءل هو الآخر: ماذا كان يفعل هذا الرجل قبل أن يركب الطائرة المتجهة إلى الخرطوم..؟ يعني لِمَ لمْ يقرأ عن السودان..؟ وعضو آخر مشغول بالتماسك الأسري في السودان.. أما يزال البيت الواحد يضم الأب والأم والابن والابنة..؟ ويندهش حتى يكاد يصرخ على طريقة رعاة البقر لإجابة أحدهم: بيوتنا تضم حتى الأجداد والأحفاد..!
هل فات علينا شيء من زيارة الوفد الأمريكي..؟