تحقيقات وتقارير

قضية توظيف الخريجين من ذوي الحاجات الخاصة: كفيف يحكي كيف أصبح معلم ثانوي

ظلت الإعاقة وما زالت تشكل تحدياً حقيقيا واختبارا مستمرا لكل المجتمعات والدول في كل أنحاء العالم .. تباينت الرؤى والمقاربات في التعامل مع هذه الظاهرة الإنسانية عبر الحقب التاريخية المختلفة من الإقصاء والإنكار إلى التهميش .. وأخيرا وبعد الكفاح المشرف للمهتمين بهذه القضية عبر كل العالم توصلت البشرية إلى ما يشبه (خارطة طريق) في التعامل مع الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة تقوم هذه المقاربة على مبادئ حقوق الإنسان وتتناول القضية برؤية حقوقية اجتماعية حتى توصل العالم إلى اتفاقية دولية تكفل حقوقهم من الاستثناء إلى المساواة .. ومن ذاك المنطلق أصبح السودان من الدول المهتمة بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة والذي يمثلون (4.8%) من جملة سكان البلاد.. بينما تبلغ نسبة المعاقين بولاية الخرطوم من جملة سكان الولاية (4.1%).. وهذا يعني ان (14.4%) من مجموع معاقي السودان موجودين في ولاية الخرطوم بحثا عن التعليم والعمل.. وقد شمل قانون الخدمة المدنية هذه الشريحة من المجتمع على حسب القانون الذي تنص عليه المادة (24) في الفقرة (7) والتي تلزم كل الوحدات الحكومية بتعيين موظفين معاقين ضمن موظفيها وبنسبة (2%) على الأقل .. التحقيق الصحفي التالي يناقش هذه النسبة التي كفلها القانون لذوي الإعاقة على أرض الواقع.. ونشير الى ان المحرر الذي أجرى هذا التحقيق كفيف**

صورة نمطية
سعادة العقيد.م. (بدر الدين أحمد حسن) أمين عام مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة ولاية الخرطوم قال : «من خلال المتابعة مع لجنة الاختيار بولاية الخرطوم بحمد الله يتم تطبيق هذه النسبة وبل أحياناً تم تجاوز النسبة حتى 5%، ولكن توجد عدة عقبات لتطبيق النسبة ابتداء من نوع الوظائف المخصصة حيث ما زال التركيز في توظيف ذوي الإعاقة في مجالات التعلم والرعاية الاجتماعية رغم أن ذوي الإعاقة يمكن توظيفهم في مجالات كثيرة تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم، وهذا مرده إلى الصورة النمطية الراسخة في أذهان المخدمين عن محدودية قدرات ذوي الإعاقة إلا في المجالات المحددة.
وأضاف: من العقبات أيضا إجراءات المعاينات والتقديمات لذوي الإعاقة وطريقة المعاينات والامتحانات التحريرية والمقابلات حيث يجب مراعاة خصوصية كل فئة ومطلوباتها من مكفوفين أو صم وتوفير مترجمين إشارة أو مساعدين للكتابة أو توفير أجهزة صوتية للمكفوفين. بعد تعيين ذو الإعاقة فإن اكبر مشكلة تواجههم هي عدم إيمان المسئولين بقدرات ذوي الإعاقة ففي الغالب لا تسند لهم مهام وحتى إذا تم ذلك تكون أقل من قدراتهم ومؤهلاتهم. هناك أيضا مشكلة بيئة العمل وتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة التي تعين ذو الإعاقة لأداء مهامه.

وأشار إلى انه على مستوى ولاية الخرطوم هناك تنسيق تام مع لجنة الاختيار حيث عقدنا معهم ورشة عمل عن التوظيف، أيضا هناك متابعة فيما يخص إعلانات التقديم بل ويشارك المجلس بمناديب لضمان سهولة التقديم وضمان إجراء الامتحانات والمعاينات بالطرق المناسبة لكل فئة.
وفي إطار التنسيق مع لجنة الاختيار وبعد إنشاء المجلس هناك تبادل للمعلومات على مستوى الذين تقدموا والذين تم توظيفهم والملاحظ بحمد لله لم تقل أبدا نسبة التوظيف عن (2%) مع استدراك الملاحظات سابقة والتي يتم التحسين فيها باستمرار.
من خلال الورشة ومن خلال الاجتماعات المباشرة مع السيد رئيس لجنة الاختيار لمسنا تفهما كبيراً لقضايا الإعاقة وانعكس ذلك على أداء اللجنة في المعاينات حيث تم توفير من يكتب للمكفوفين ومن يعرف لغة الإشارة للتعامل مع الصم مع وضع اعتبار لأماكن الامتحان والمعاينات للإعاقات الحركية.
لجنة الاختيار
الأستاذ (عبد الجبار الصديق) مسؤول الشؤون العلمية بلجنة الاختيار ولاية الخرطوم قال: «نرحب بالأخ الصحفي (الكفيف) (بابكر هاشم) ممثل المجلس الولائي للأشخاص ذوي الإعاقة – ولاية الخرطوم في لجنة الاختيار للخدمة المدنية – ولاية الخرطوم، وكلنا رحابه وسعة للتعاون معه بالمعلومات اللازمة التي تدعم قضية ذوي الإعاقة لإكمال تحقيق (الرأي العام) الصحفي الهام عن اهم قضية تواجه ذوي الإحتياجات الخاصة»..
*سألته اولاً عن الضمان لإنفاذ نسبة ذوي الإعاقة في التعيين بالوظائف المختلفة؟
ـ اجاب: لجنة الاختيار ولاية الخرطوم لديها تجربة عملية في ضمان إنفاذ نسبة ذوي الإعاقة في ولاية الخرطوم، وتتم العملية للتقديم والمعاينات بكل سهولة لأصحاب الإعاقة منذ وصوله بوابة الاستقبال مرورا بعملية الامتحان والمعاينات. ويتم إخطار المجلس مع صدور إعلان الوظيفة حتى يتمكن من إخطار المعاقين بالوظائف المطروحة والتخصصات المطلوبة على حسب الوصف الوظيفي للجهة طالبة الوظيفة وهناك تنسيق تام مع الإخوة في المجلس الولائي لذوي الإعاقة ولاية الخرطوم.
*هل هناك شروط معينة تفرضها بعض المؤسسات يمكن ان تقف حاجزا أمام توظيف ذوي الإعاقة بالوظائف العامة؟
ـ لا توجد أي شروط من أية مؤسسة في الولاية وهناك بعض التخصصات لا يوجد متقدم لها من ذوي الإعاقة. كما اشير إلى ان عدم تفهم بعض المعاقين شكل التنافس في النسبة المنصوص عليها بالقانون وهي (2%).
* هل تعتقدون أن ورشة العمل الخاصة بتوظيف ذوي الإعاقة حققت المطلوب منها لهذه الفئة؟
ـ بالتأكيد الورشة أسهمت في شرح مفاهيم كثيرة ساعدت المسئولين والمعاقين معا في تفهم كيفية سير عملية التوظيف في النسبة المنصوص عليها وفتحت أبواب التنسيق مع الأخوة في المجلس الولائي لذوي الإعاقة وأكدت الإحاطة التامة بكل ما يدور في عملية التوظيف ما جعل المجلس يدفع بموظفين يتابعون المعاق منذ تقديمه للوظيفة وعملية المنافسة وحتى نيله الدرجة الوظيفية مروراً بإجلاس الكفيف ومرافقه وتسهيل عملية الامتحانات التحريرية وقد وفرت لجنة الاختيار للأصم مترجم لغة الإشارة للمؤسسة التي تطلب الوظيفة. وتقوم لجنة الاختيار نهاية كل عام بمد المجلس بإحصائية كاملة تتضمن الأشخاص ذوي الإعاقة الذين تم اختيارهم خلال العام على حسب الوزارات والتخصصات ونوع إعاقتهم ذكور أم إناث.
وأتمنى الاهتمام أكثر بهذه الشرائح وكذلك رسالة للإخوة ذوي الإعاقة بألا ينظروا للوظيفة هي حل لمشاكلهم فقط، بل هي مدخل لإسهامهم في المجتمع وإثبات قدراتهم، وأتمنى أن يجدوا التعاون في كل المؤسسات التي ينتمون إليها في سبيل أداء مهامهم حتى يدفعوا بعجلة التنمية في المجتمع.
تجربة معلم كفيف
المعلم الكفيف (محمد سيف الدين) سألناه عن تجربته مع لجنة الاختيار حتى استيعابه معلماً بالمرحلة الثانوية، فأجاب قائلاً :
منذ أن وصلت بوابة لجنة الاختيار قابلني موظف الاستقبال فسألني عن اسمي ورقم هاتفي ومحليتي التي أسكن فيها ثم طلب من أحد الشباب أن يوصلني إلى شباك محلية بحري لأسلم شهادتي ثم انصرفت .بعدها اتصلت بي موظفة مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة ولاية الخرطوم فأخطرتني بموعد ومكان الامتحان التحريري وطلبت أن يرافقني أحد معارفي ليكتب لي أجوبة الامتحان، لكنني لم اجد احداً فطلب موظف اللجنة من أحد المواطنين أن يقرأ لي أسئلة الامتحان وأن يكتب لي الجواب الذي أمليه عليه فخصصوا لي مكانا مهيأ لامتحن فيه، والحمدلله نجحت في الامتحان التحريري فتم إخطاري بموعد الامتحان الشفهي، فوصلت صالة الانتظار حتى حان دوري فقام أحد الممتحنين بإدخالي إلى اللجنة الذين بدأوا بطرح الأسئلة بكل احترام وبدأت بالأجوبة بكل ثقة فلم أجد منهم إلا الاحترام والتقدير والإشادات التي أفخر بها.. بعدها اتصلت بي موظفة المجلس مجددا لتبشرني بنيلي الوظيفة.. ولكن مدير المدرسة التي تم استيعابي بها لم يكن يتصور مكفوفاً يدرس مبصرين فرفض الفكرة تمامًا وقال: «ما ذنب التلاميذ الذين يدفع لهم أولياء أمورهم دم قلوبهم ليدرسهم مكفوف؟!!».. ولكن تدخلت الشعبة لتقنعه بتقبل الأمر وتكفلوا بتصحيح الكراسات لي فلم يمض شهر حتى تمكنت من إقناعه أن لا مستحيل تحت ضوء الشمس ،فتحولت الإستفهامات التي تدور فى رأسه إلى فخر وانبهار.. وفي الختام أشكر الله الذي وفقني وأشكر المجلس ولجنة الاختيار، وصحيفة (الرأي العام)، وكل من تعاون معي من أساتذة وزملاء الدراسة والتدريس وأتمنى للجنة الاختيار والمجلس مزيداً من التقدم وأطلب منهما تخصيص موظف لتحرير الأسئلة للمكفوفين وأن يدخلوا المعاقين فور وصولهم للامتحان.»
وفي ذات الإطار التقينا بالمعلم الكفيف الأستاذ (يونس آدم) فقال: «لم تواجهني أي مشاكل في التقديم عدا صعوبة إمكانية الوصول، فيجب توفير مقاعد للانتظار للمعاقين حركياً على الأقل وأن تحول المساطب إلى مزلقانات حتى يتمكن أصحاب العجلات من الدخول ونتطلع لزيادة النسبة إلى (5%) على الأقل واتمنى للمعاقين الذين لم يحالفهم الحظ في هذا العام أن يوفقهم الله في العام القادم.. وفي الختام اشكر الله ثم مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة ولجنة الاختيار على التعامل الراقي، فبعد أن أقام مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة ولاية الخرطوم ورشة التوظيف مع لجنة الاختيار ولاية الخرطوم في عام 2013 م بقاعة الشهيد (الزبير محمد صالح) بالخرطوم ورفعت التوصيات تحسن موقف المعاقين وتغيرت الصورة الذهنية إلى حد ما وذللت الصعاب وتفهم بعض المسئولين قضية المعاقين، ولكن هنالك بعض الناس يمارسون التمييز العنصري مع المعاقين ففي اعتقادهم أن المعاق عالة على المجتمع ولا يستطيع أن يؤدوا الواجب على أكمل وجه، هنا أعود وأقول: (لا مستحيل تحت الشمس)، فالتكنولوجيا حطمت الحواجز وفتحت الأبواب نحو مستقبل زاهر للمكفوفين.
المحرر

من تفاعل الآراء السابقة يمكن ان نوجز نتائج التحقيق الصحفي في النقاط التالية:
*زيادة نسبة استيعاب ذوي الإعاقة في الخدمة المدنية من (2%) إلى (3%) وهناك مساعي أن تصل إلى (5%).
*مراعاة إمكانية الوصول لذوي الإعاقة وتسهيل العقبات التي تواجههم أثناء التقديم في لجنة الاختيار، والمعاينات، والإمتحانات التحريرية والشفهية.
*تقديم المعينات والوسائل في بيئة العمل حسب نوع الإعاقة.
*على اصحاب الأعمال تغيير نظرتهم الخاطئة لقدرات الكفيف بانه عالة على المجتمع ولا يستطيع اداء عمله على الوجه الأكمل، فهذه النظرة (الخاطئة) اصبح لا وجود لها في عصر التكنلوجيا التي اتاحت للمعاقين بمختلف إعاقاتهم التواصل مع الغير في كل المجالات مثلهم في ذلك كالآخرين تماما، بل ان بعضهم تفوق على الاسوياء، مثل هذا المحرر الصحفي الكفيف تحت التدريب، (بابكر هاشم الشريف) الذي أجرى بمهنية عالية، يحسدها عليه كثير من الصحافيين (المبصرين)، هذا التحقيق الصحفي المميز، والذي يعد اول تحقيق صحفي له.

تحقيق: بابكر هاشم الشريف: الراي العام