هزار من نار
كعادة الثنائي (مصطفى) و(تماضر) اندلعت الشمطة بينهما دون سابق إنذار.. كان (مصطفى) قد دعا أخاه المغترب وأسرته لـ(المقيل) معه بعد عودتهم في الإجازة، وكعادته السنوية في (السركلة) مع أخيه الحبيب (نزار)، أكرام وفادته بـ(الضبيحة) ولم يبخل في الصرف على لوازمها، وكعادة (تماضر) فقد تشمرت وقامت بخدمة الضيوف على أكمل وجه .. شيّات ونيّات والتحلية أشكال أنواع زي ما تدور..
تناول الجميع الفطور في سعادة وحبور، وقام الضيوف من الأكل وتوجهوا لغسل الأيدي، بينما حمل (مصطفى) صينية الرجال لمجلس النسوة في ظل النيمة بجوار المطبخ.. راودته نفسه أن يناكف زوجته العزيزة بعد أن غشيته لحظة انشراح نفسي لسعادته بـ(لذاذة) الأكل وعودة أخيه واللمة الحلوة، فتخطى شقيقاته وزوجة أخيه المنشغلات بمضايرة النيران والصيجان، وتوجه مباشرة لـ(تماضر) المتوهطة في بنبرها وقد انشغلت بتنضيف الكمونية..
وضع الصينية أمامها وقال مناكفا:
لي هسي ما قضيتي؟
وقبل أن ترفع رأسها لتجيبه التفت مخاطبا البقية:
المرا دي كبرت وغلبتا الخدمة.. رايكم شنو نجيب ليها البتساعدا؟
لم تكن الروح الرياضية من صفات (تماضر)، ولم تكن تتقبل مزاح (مصطفى) خاصة إذا ما دار حول (العرس) موضوع مكاواته المفضل.. ردت عليه بحدة وسرعة:
يا أخوي قالوا الفي بال العجوز بتهاتي بيهو.. كبرت انت وخرفتا كمان!
وجاملتها زوجة أخيه بالقول:
ما تحرقي دمك ساي.. قالوا السوّاي مو حدّاث.. مصطفى بس بحب يكاويك.
مسافة ثواني تلك التي فصلت بين بداية الهزار وتحوله لمعركة كلامية قاسية، حاولت النسوة فيها التدخل لفض الاشتباك اللفظي الحاد بين الزوجين المتشاكسين بـ(يا أخوانا باركوها) و(العوارة شنو يا جماعة؟ يعني قلبتوهو جد؟) و(كدي أمشي هسي يا مصطفى من قداما ).. ولكنه قال بتحد وغيظ طفولي: (بعرّس وبعرّس.. كيتا فيك والله أعرس ).. ناوشته بـ(يعرّس ركابينك) فردها عليها: (يعرّس ركابينك انتي دي.. قايلاني ما بعرس؟ والله أعرس).. تحدته: (والله ما تقدر)..
غادر المكان وهو يغلظ في القسم:
(حا تشوفي.. والله والله إلا أوريك) !!
وبينما ظلت (تماضر) تهري وتنكت وتذكّر نفسها بحكمة (الحسنة في المنعول)، حالة كونها هلكانة في خدمة ضيوفه وإكرامهم وهو (يسوي في البيسوي فيهو)، غادرهم (مصطفى) وتوجه ناحية الماسورة ليغسل يديه.. وقف أمام الحوض وتبسّم لنفسه فرحا بنجاحه في إشعال ثورة (تماضر) ثم قطّب جبينه فجأة وهو يتذكّر كفارة حنث اليمين الذي أوقع نفسه فيه بتهوره.. حمل الصابونة وانحنى يدعك يديه وهو يقول (استغفر الله العظيم)..
ما بين طبع (مصطفى) الغيّاظ ونارية غيرة (تماضر) التي لا تحتمل وضع الهزار في مواضع الجد، كثيرا ما كانت المشادات الكلامية تندلع بين الاثنين وما تلبث إن تنطفىء بنفس سرعة اشتعالها فكلاهما يحمل قلبا أبيض محبا لشريكه المشاكس، ولكن تكرار تلك المواقف بين الزوجين وغيرة (تماضر) التى صارت مضربا للأمثال، أغرت البعض للتدخل بينهم بـ(المديدة حرقتني)، ومن ضمنهم (نزار) الذي كان يحمل الكثير من طبع أخيه..
قبل أن تنقضي أيام الإجازة اصطحب (نزار) نسوة الأسرة ومعهم (تماضر) في مشوار فاتحة قديم، وعندما عادوا أنزل زوجته وإخواته في البيت الكبير، ثم واصل الطريق بـ (تماضر) ليوصلها لبيت أخيه، وقبل أن يصلوا تصنّع الجدّية ووضع تكشيرة تجهم على وجهه وقال:
طبعا الحاجة العرفتها دي أصلو ما رضّتني.. لكن نسوي شنو كان الراجل محللات ليهو أربعة؟ غايتو أهم حاجة عجبتني فيك عقلك الكبير.. مصطفى قال لي إنك متفهمة الموضوع ورضيااااانة وكمان باركتي ليهو !!!
لم تستطع (تماضر) أن تفتح فمها من شدة (الانبهاتة) حتى وصلت لباب بيتها، بينما ظل (نزار) يعزف على وتر حكمتها وموضوعيتها ورضاها بالأمر والواقع المتمثل في شروع (مصطفى) في مشروع زيجة جديدة!!
ودعته ونزلت من السيارة فعاد متبسما وهو يتوقع محادثة هاتفيه من (مصطفى) قبل وصوله، يوبخه فيها على هزاره البايخ الما ناقصنو، ولكن عند عودته وجد بالبيت ضيوفا فانشغل بهم حتى نسي الموضوع وأخلد للنوم آخر المساء..
فجأة استيقظ مفزوعا من نومه على صوت طرقات عالية في الباب.. أخرج الموبايل من تحت المخدة ونظر للساعة فوجدها قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل بقليل.. توجه مسرعا ليفتح الباب قبل أن يستيقظ بقية أهل البيت ليجد مصطفى يقف في الظلام و(يحدر ليهو).. سأله جزعا: مصطفى؟ خير.. نعل مافي عوجة؟!!
فأجابه الأخير:
العوجة حاصلة.. بس كدي تعال حلني من المشكلة الرميتني فيها!!!