حوارات ولقاءات

سفير جنوب السودان بالقاهرة: إسرائيل وإثيوبيا وقفوا جنبنا.. وتوقيع اتفاقية عنتيبي مرهون باستقرارنا


نتخوف من استغلال السودان لقيادات منشقة عن «مشار» للضغط علينا في الملفات السياسية.

إسرائيل وإثيوبيا «وقفوا جنبنا».. وعلاقتنا المميزة معهم لن تضر بمصر.

علاقتنا مع مصر في عهد السيسي تسير بوتيرة سريعة.. ونقدر الاهتمام الكبير بجوبا في الوقت الراهن.

ملف مياه النيل أصعب التحديات التي واجهتنا في سياستنا الخارجية منذ استقلالنا.

يبدو المشهد قاتما في القارة السمراء، خاصة بجنوب السودان التي استقلت عام 2011 عن الخرطوم، وما ترتب على ذلك من حرب أهلية، راح ضحيتها آلاف الأشخاص، وارتباط هذا الوضع الأمني المتردي بالخريطة السياسية، وملف حوض النيل بشكل خاص، وانعكاسات ولادة الدولة الحديثة على القاهرة وحصتها في مياه النيل، التقت “البديل” بسفير جنوب السودان في القاهرة “أنتوني كون”.. وإليكم نص الحوار.

كيف ترى العلاقات المصرية الجنوب سودانية ؟

علاقتنا مع مصر قديمة وتاريخية جدًا وهي تعتبر مع الشعب المصري، لكنها تطورت بوتيرة أسرع مع الحكومة الراهنة، بدأت منذ فترة ما قبل استقلال جنوب السودان، وتطورت في كافة الاشكال والمجالات خاصة التعليمية لأن الكثير من الجنوبين بيتعلمون في مصر، الناحية الثانية أن مصر فتحت أبوابها للتعليم المجاني للمواطنين قبل أن تصبح دولة، بدليل أن أي حكومة من الحكومات الجنوبية يشارك فيها وزراء من الخريجين من الجامعات المصرية، فالعلاقة بين مصر والسودان وجنوب السودان ليست علاقة أنظمة بل هي علاقة شعوب.

كيف ترى الاتفاق الموقع موخرًا بين الحكومة والمعارضة ؟

لا يوجد مسار سوى الحل وفقًا لاتفاق يرضي جميع الأطراف، لأن اشتعال الحرب أدي إلى تشريد الآلاف، ولكن عندما وجدنا فرصة لكي نوقع اتفاقية سلام أخذنها على محمل جد، ووقعنا على الاتفاقية ولكن هناك بعض التحفظات التي تخص أجندات أجنبية تتعارض مع سيادتنا.

ما هي أهم بنود الاتفاقية وما هي التحفظات ؟

أهم بنود الاتفاقية، تكوين حكومة انتقالية لمدة 30 شهرًا، مهامها إجراء انتخابات عامة خلال 60 يوما، كما أن الرئيس سيقوم بالتشارو مع الأطراف في الاتفاقية بتشكيل المفوضية القومية للانتخابات، وستكون مهام المفوضية تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فضلًا عن إضافة بعض الترتيبات الأمنية التي تخص المناطق التي تأثرت بالحرب مثل العاصمة جوبا، بحيث تكون الحراسة والقوات المشتركة في جوبا وهي عددها للحكومة 3420، وللمعارضة 1410، وتم الاتفاق على أن يكون للطرفين شرطة موحدة، عددها 3 آلاف، لكل طرف ألف و500، أما للمدن المتأثرة بالحرب سيكون هناك 2400 شرطي، كما ستكون الحكومة مسئولة عن دفع رواتب القوات المشتركة – بحسب الاتفاقية – أما القوات الأخرى ليس لديها الحق بدفع رواتبهم حتى يتم النظر في وضعهم.

وفيما يخص التحفظات فإن الحكومة لديها بعض التخوفات أولها أن المعارضة ما زالت تعاني من المشاكل الداخلية وهناك بعض القيادات منشقة من قوات مشار مقرها في السودان، كما أن الحكومة تتحفظ أيضًا على نشر القوات خارج العاصمة في المعسكرات الخاصة بسبب تكلفتها وعدم تحديد مَن المسئول عنها، بالإضافة إلى أننا نرى أن قوات الدفاع الوطنية في جنوب السودان ستكون عامل للتقسيم لأننا لدينا الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان ولا يوجد لديها ما يسمى بقوات الدفاع الوطنية، كما أننا نتحفظ على أن يكون رئيس المفوضية المشتركة للمراقبة والتقييم شخص أجنبي.

هل هذا الصراع الدائر يأتي في إطار الحرب الإقليمية بين الدول الكبرى؟

نحن في أجواء سلام، وهذه الأجواء تطلب مننا أن ننظر لمصلحة بلدنا قبل أن نلقي اللوم على الآخرين، فما حدث في السابق من صراع على السلطة بين الحكومة والمعارضة استغلته بالفعل القوى الإقليمية، لكن نحن من أعطينا الفرصة لهم لاستثمار خلافتنا، فالجانب الأجنبي لن يتدخل إلا عندما تأتي الفرصة له.

تحدثت عن انشقاق بعض القيادات من المعارضة وتكوينها مجموعة منفصلة.. ما تأثير ذلك على الاتفاق؟

إذا استمرت هذه المجموعة في انشقاقها، ستؤثر على الاستقرار والاتفاق، وهذا الأمر من التحفظات التي تم تقديمها قبل التوقيع على الاتفاق، فنحن لم نحل كافة مشاكلنا مع شمال السودان، ونحن نتخوف من أن تستغل السودان هذه المجموعة ككارت للمساومة على أساس أنهم يكونوا ورقة ضغط سياسي في المشاكل العالقة، لكن في النهاية نأمل أن لا تكون شكوكنا في محلها لأن هناك في الفترة الأخيرة بعض المؤشرات الإيجابية من دولة السودان في محاولة للملمة أطرافهم ومساعدتنا في حل مشاكلنا وخلافتنا الداخلية، لأن بيننا وبين أشقائنا في السودان مصالح كبيرة وليس بمقدرة أي طرف التنازل عنها.

جنوب السودان دولة جديدة وناشئة وولدت في منطقة مشتعلة.. هل هناك معوقات تحول دون تنفيذ السياسة الخارجية لبلادكم؟

نعم أي بلد ناشئة، لابد أن يكون أمامها تحديات كثيرة، ويعلم كثير من المسئولين عن السياسة الخارجية في جنوب السودان ذلك، لأننا نشئنا في منطقة بها تحالفات مختلفة وتباين بين الدول الموجودة، ونحن كدولة جديدة لابد أن نتخذ مواقف تتماشي مع سياستنا في الوقت نفسه لا تتعارض مع علاقتنا بالدول المجاورة لنا، وبالفعل وجدنا صعوبة بعض الشيء، إلا أننا حولنا توازن علاقتنا بكل الدول مع مصر والسودان واثيوبيا وأوغندا وإفريقيا الوسطى.

ما هي القضايا التي تمثل تحديا كبيرا لسياستكم الخارجية ؟

ملف مياه النيل كان من أصعب التحديات، لاسيما بعد استقلالنا عن السودان وجدنا هناك اختلاف في المواقف مثل قضية عنتيبي، ومن مصلحتنا نحن كدولة جنوب السودان أن ننضم للمعاهدة ولكن في نفس الوقت الأخوة المصريين لديهم رأي آخر، فهذه إحدى التحديات، ورأينا أن مصلحتنا لعب دور محوري وجمع كافة الأطراف الموجودة علي طاولة واحدة لوضع حل للأزمة مياه النيل بصفة عامة.

بعد استقرار جنوب السودان.. كيف تتعاملون مع دعوات انضمامكم لاتفاقية عنتيبي؟

يظل موقفنا واحدا من هذه المسألة، نحن بلغنا أشقائنا المصريين أن مصلحتنا أن نوقع على اتفاقية عنتيبي لتقسيم مياه النيل، وعندما استقبلنا هشام قنديل رئيس الوزراء في حكومة الرئيس المعزول مرسي، عرضنا عليه مساعدة مصر في الدخول إلى اتفاقية عنتيبي، لأن من خلال العمل الجماعي يمكن لنا جميعًا أن ننظر في تحفظات مصر الخاصة بمياه النيل، لكن وجود مصر خارج الاتفاقية سيصعب عليها التعاون في هذا الأمر، والأخوة في مصر يروا أنه من الأفضل عدم الانضمام إلى هذه الاتفاقية.

ولماذا لم توقعوا عليها حتى الآن ؟

حكومة جنوب السودان عندما قررت أن توقع على اتفاقية عنتيبي، كان لابد أن تعرضها على البرلمان لكي يصادق عليها، لكن ما حدث من خلافات وصراع دام في العامين الماضيين حال دون الانضمام إلى هذه الاتفاقية وأصبح موضوع عنتيبي ليس من أولوياتنا لأنه كان لابد أن ننظر إلى كيفية الوصول إلى حل لهذا الصراع، حتى أصبح عالقا ليومنا هذا، لكن موقفنا في جنوب السودان الانضمام لهذه الاتفاقية، وهو الأمر الذي سننظر له بعد الاتفاق الأخير مع المعارضة، لذلك التوقيع متوقف على استقرار البلاد.

هل يؤثر ذلك على العلاقة مع مصر؟

لا يؤثر على العلاقات مع مصر بحكم علاقتنا المميزة، لكن في المقابلات واللقاءات التي جمعتنا دائمًا ما يطرح المسئولين المصريين هذا الأمر ويؤكدوا لنا أنه من الأفضل أن تتريث جنوب السودان في التوقيع على هذه الاتفاقية وتنظر لمصالح مصر.

ماذا عن عضوية بلادكم في الجامعة العربية ؟

حتى الآن بوصفي كسفير لجنوب السودان في مصر، لم يتم مناقشة هذا الموضوع من جانب قيادة الدولة، خاصة في الفترة الأخيرة التي شهدت فيها الدولة نزاعًا كبيرًا، ونحن نرى أن قرار الانضمام للجامعة العربية يحتاج إلى دراسة، لأن هناك مواثيق موجودة ومواقف داخل الجامعة العربية، فلابد أن ندرس كل هذه المواقف، وهل ستتفق مع سياستنا الخارجية، أم ستضر بها؟، وما مدى استفادتنا منها في حال الانضمام إلى الجامعة؟، أما بالنسبة للاتحاد الإفريقي، فإننا نتمتع بعضوية كاملة، ووقعناها وملتزمون بكل قرارات الاتحاد.

هناك خصوصية لبلادكم في علاقتها مع الجارة إثيوبيا.. ما الذي يميزها؟ وما هي رؤيتكم لها بعد رحيل ميليس زيناوي؟

علاقتنا مع إثيوبيا هي قرابة دم، فلو رجعنا للتاريخ منذ آلاف السنين، فسنجد أن هناك قبائل كثيرة مشتركة فروعها منتشرة بين إثيوبيا وجنوب السودان، مثل قبائل النوير، وحتى في الحروب القديمة للإمبراطور هيلا سيلاسي، كان هناك عدد كبير من أبناء جنوب السودان في جيش إثيوبيا، وبالتالي فالعلاقة بين البلدين قديمة جدا، وصارت هناك صلات مصاهرة بين أبناء البلدين، فوطدت العلاقات أكثر وأكثر، وفي فترة الحرب الأهلية الأولى من عام 1955إلى 1972، كان عدد كبير من أبناء الجنوب يعيشون في أديس أبابا، وتلقوا تعليمهم هناك بإثيوبيا، فعلاقتنا أصبحت وثيقة على الصعيدين الحكومي والشعبي، والدليل على ذلك أنه في الاتفاقية الأولى للسلام بين الجنوب السوداني والشمال، وقعت عام 1972 في أديس أبابا، كما اتخذت الحركة الشعبية لجنوب السودان أديس أبابا مقرا لها في عهد منجستو هيلا ماريام، حيث انطلقت منها في نضالها وحربها ضد حكومة الخرطوم، إذن علاقتنا بإثيوبيا لها جذور ومميزة ومترابطة.

ومنظمة إيغاد بقيادة إثيوبيا لعبت دورًا كبيرًا في استقلال جنوب السودان، في الوقت الحاضر إثيوبيا لعبت دورًا كبيرًا في التوصل لسلام داخل جنوب السودان، قد يكون لدينا بعض من وجهات النظر في كيفية إدارة المفاوضات، لكن العلاقة تظل موجودة وفقا لمصالحنا ومصالحهم.

في الفترة الأخيرة كثر الحديث عن العلاقات الإسرائيلية الجنوب سودانية على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي.. ماذا عن آفاق هذه العلاقات ؟

للأسف علاقتنا مع إسرائيل تأتي دائمًا في سياق الخلاف العربي الإسرائيلي، وأريد أن أوكد أن هذه الخلافات بدأت منذ سيدنا إبراهيم، وجنوب السودان لم يكن في الوجود ولا نعرف حتى التعرجات التاريخية القديمة بالنسبة للمسائل العالقة بينهم، وأنا كما ذكرت لك في السابق أن تحديات السياسة الخارجية عند استقلالنا وجدنا أنفسنا أمام وضع صعب، وهذه من التحديات في كيفية التوافق بين علاقاتنا والتوزان بينها دون أن نخسر أحدًا منهما، فالعرب يربطنا بينهم علاقات وثيقة عشنا معهم ولنا مصالح معهم، وإسرائيل أيضًا لدينا مصالح معهم ووقفوا جنبنا، كما لدينا بينهم مشاريع اقتصادية، كمشاريع المياه وخاصة الأمور الزراعية والخبرة الإسرائيلية في هذا المجال كبيرة جدًا.

هل يمكن أن تستغل إسرائيل هذه العلاقات وتوظفها ضد دول الجوار؟

سياستنا قائمة على عدم تشجيع الخلافات بين الدول وليس لدينا مصلحة أن ندخل في خلاف مع أي دولة، وأنا أوكد لك أن جنوب السودان لن يشارك في أي أمر يضر بمصر.

محمود علي
البديل المصرية