سماء مكفهرة ملبدة بالغيم..!
> مشهد صحافي مُهيب، هو التقاء قادة اتحادات ونقابات الصحافيين العرب بالخرطوم، اختلطت فيه الآمال والتطلعات العربية، بين واقع مزرٍ دهم الصحافة في دورها وامتص وجفف أحبارها وكسر أقلامها، وبين واقع عربي سياسي وأمني يهدد وجود الأمة العربية متماسكة ومترابطة وموحدة وقادرة على إنتاج دورها في مسار التاريخ.
> كانت الحيرة الممتزجة بالإصرار المتطلع، هي المرتسمة على وجوه قادة الاتحادات والنقابات الصحافية المجتمعين في الخرطوم، يلتمسون لأمتهم مخرجاً وللأنظمة السياسية تبريراً للخروج من التابوت الذي قُبرت فيه أشواق المواطن العربي في الحرية والحياة الكريمة والأمن والاستقرار.
> ثمة أسئلة عميقة تطرحها مثل هذه الاجتماعات، ما الذي يمكن أن تفعله منظمات العمل الصحافية العربية كالاتحادات والنقابات حيال الوضع الراهن الذي ناء بكلكله على أدوات صناعة الرأي العام في الوطن العربي..؟ ماذا بأمكان الصحافة المطبوعة والمسموعة والمرئية والمبثوثة فعله لرتق فتوق الأمة وإعادة الأمل إلى الأجيال الحالية وجيل المستقلل..؟ وهل تستطيع صحافة تعيش أزمنة الحرب والقهر والنزاعات والصراعات المذهبية والتطرف والتشدد، أن تُعطي شيئاً ذي بال يغير الواقع أو يعلي من قيمة الكلمة والفكر والرأي، ويفتح مشكاة نحو أفق جديد..؟.
> وهذه الأسئلة، يطرحها أولاً الصحافي العربي قبل أن تُطرح عليه. فالصحافي هو عين الواقع ومقياس نبضه وضمير الشعب، بعد أن فقدت الضمائر الأخرى وعجزت أدوات السياسة بأحزابها وتنظيماتها أن تفعل شيئاً أو تقدم حلولاً وتقود شعوباً إلى ضفاف آمنة..
> نحن نعيش واقعاً يفرض على الصحافة العربية بقوة، أن تقول كلمتها ولا تمش! بل تقولها وتصر عليها وتقف ثابتة متماسكة منتصبة تقرر وتتفاعل ولا تنسحب، فالواقع والراهن العربي اليوم أكبر من أية محنة سبقت منذ النكبة، لم تمر مرحلة كالحة بأمتنا كما المرحلة الحالية، هي الأشد سواداً والأكثر ظلمة. فعالمنا العربي مُستباح بالتدخلات الخارجية وتجري على أرضه حروب دامية ومدمرة، الله وحده يعرف متى وأين وكيف تنتهي!! ولا يستطيع أحداً أن يتنبأ بما سيكون عليه الحال في الآجال القريبة والبعيدة!
> وتعيش أمتنا حالة من الضعف والخور والهزال والهوان، لم تشهده من قبل ولم تعش مثله طوال تاريخها، والأقسى منه أن أدوات الشارع العربي في الرفض والتمرد والتغيير، لم تعد موجودة وإن وجدت ليست فاعلة، ولم يبقَ لديها حصن تستجير به غير الصحافة الحرة وقلعة الأقلام والمحابر والأوراق، هي السيوف التي ستقاتل، والبنادق التي ستواجه، والرماح التي ستخوض المعارك الفاصلة، فهل تستطيع ذلك؟!..
> اجتماعات الخرطوم التي بدأها قادة الصحافة العربية وقادة الإعلام والفكر والرأي، لا تملك كل الإجابات، لكنها تملك القدرة على إيقاد القناديل والمسارج إلى الدروب والأزقة الضيقة والسراديب المظلمة، وإذا فعلت اجتماعات الخرطوم ذلك، لكفت. وإذا تمكنت من إيقاد مشاعلها في السماء العربية المكفهرة الملبدة بالغيوم السوداء، ستكون قد فعلت، وتكون خرطوم اللاءات الثلاث قد أعادت التاريخ للوراء، وأرجعت عقارب الساعة قسراً لتفتح أبواب الغد المشرق من جديد..وهذا ما نطمع فيه ويسعى إليه إخوتنا في اتحاد الصحافيين العرب..