منى عبد الفتاح : رفقة اللاوعي… هيا بنا نحلم
في الجانب الآخر من اللاوعي تترعرع ظاهرة الأحلام، وبما أنّها تخرج من ذاك الدهليز العقلي فقد احتاجت لآلية تحليلية تم التوافق عليها في عملية التفسير. وتعتبر ظاهرة تفسير الأحلام أحد تلك الظواهر الموغلة في القدم، فقد تأثرت البشرية بها منذ أمدٍ بعيد، فلم يخلُ عهد الفراعنة وقدماء الفلاسفة والعصور الوسطى من البحث والتحري في فك رموز الأحلام، حتى أنّ تصرفات كثير من الزعماء على مرِّ التاريخ قامت بناء على أحلامهم.
وفي التراث الديني أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام رأى في المنام ما فسره على أنّه أمر إلهي بذبح ابنه. ورأي سيدنا يوسف عليه السلام في المنام أنّ الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً يسجدون له، وتحقق حلمه بعد ذلك، عندما سجد له أبوه وأمه وإخوته الأحد عشر. وفي سيرة ابن إسحاق ما يفيد أنّ عدداً كبيراً من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم كانت رؤى شاهدها في المنام. ورأى فرعون في منامه ناراً قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت المصريين وتركت بني إسرائيل، فدعا فرعون الكهنة فقالوا له: “يولد في بني إسرائيل بمصر غلام يسلبك الملك، يخرجك وقومك من أرضك ويبدل دينك”.
حاول العلماء كشف أسرار الأحلام بمتابعة المثيرات الخارجية والداخلية ورصد النشاط العقلي أثناء النوم. وبطبيعة أنّ النوم ضرورة لحياة الإنسان، فقد أثبتت الدراسات أنّه لكي تتمكن أجهزة الجسم المختلفة من أداء وظائفها الطبيعية بصورة سليمة، لا بد من الخضوع إلى النوم كدورة طبيعية. وقد قامت بعض مراكز أبحاث النوم التابعة للجامعات البريطانية والأمريكية بعدد من التجارب لمعرفة درجات نشاط المخ المختلفة، وشفع ذلك بمتابعة ظواهر فسيولوجية أخرى، تعكس نشاط الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان. فكان ما أثبتته هو أنّ للأحلام دورا هاما في تخليص الجسم من التوتر، وذلك بعملها على تحرير المخ من ضغوط الأفكار اليومية المتضاربة.
وعلى الصعيد الاجتماعي وجدت برامج تفسير الأحلام مؤخراً عبر الفضائيات، صدىً واسعاً لدى كثير من أفراد المجتمع وخاصة النساء، حيث أقبلت نسبة كبيرة منهنّ على طرح أحلامهن عبر الوسائل الإعلامية. والمرأة بطبيعتها انفعالية عاطفية، مليئة بالمشاعر المتضاربة أحياناً، يؤدي تكوينها إلى كبت هذه المشاعر، فينشط اللاوعي ويظهر ذلك في أحلامها. وتبدأ المرأة في البحث عن تفسير الأحلام، أو تحاول العيش فيها باقتناع كامل يصل إلى أن تستبدل بها واقعها. وكلّما كانت مشاعر الإنسان منطقية قل اعتماده على اللاوعي، وكلّما زادت القدرة على المواجهة، قلّ الهروب إلى اللاشعور، وقد ثبت علمياً أنّ الإنسان عندما يشعر بالحزن الشديد، أو المعاناة من ضغوط نفسية تكثر أحلامه.
الأحلام عند فرويد منطقية دائماً، فهو يجد بينها علائق وروابط ويرى أنّ كثيراً من الأحلام تفسر نفسها بنفسها، ونتيجة لقدرتها على تحريك الهواء الراكد في أنفاق اللاوعي، فهي تأتي من بين أدوات سبر الشخصية الإنسانية. والحلم تجربة حقيقية يمر بها العقل وهو رغبة متحققة، لأنّ العقل الباطن لا يعترف برغبة لا تتحقق فهو يترجم مكونات اللاوعي من المشاعر الدفينة المكبوتة مع خبرات الماضي ومواقف الحاضر، بل الطموحات والأحلام والآمال المستقبلية، ويتشكل بما يتلاءم مع طابع شخصية الإنسان، وقد ثبت أنّ عملية التفكير من الممكن أن تتم لا شعورياً دون وعي من الإنسان، أي ترافق الإنسان في نومه.
كلنا نحلم في هذا الموت القصير “النوم” الذي تتخلص فيه أرواحنا من سجن الجسد ومن حدود الحواس وتذهب فيه الأرواح إلى عوالم أخرى. في تلك العوالم يقوى الإدراك لكل متعة صافية ماراً بفضاءات من مشاهد وذكريات وشخصيات تتداخل وتتفاعل في أمكنة وأزمنة متبدّلة يربط بينها خيط رفيع من الأحداث ومن التسجيل الانتقائي لها في لاوعينا. وعندما تعود الروح عند اليقظة يتلاشى ذاك الغموض المحبّب ويضعف الإدراك فنسكت عن الحلم المباح.