«2000» عام من العلاقات
> تذكرنا الشاعر الكبير السفير تاج السر الحسن رحمه الله، وصوت الفنان عبدالكريم الكابلي في نشيدآسيا وإفريقيا، خاصة عندما يقول (في ليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة.. والتي أعزف في قلبي لها ألف قصيدة). ونحن نستمع أمس في المنتدى الأسبوعي بمنزل اللواء طيار عبدالله صافي النور، للسفير عمر عيسى سفير السودان لدى الصين، وهو يشارك بالحديث في المنتدى عن العلاقة المتينة والتعاون الإستراتيجي مع جمهورية الصين الشعبية، مستعرضاً النهضة الصينية الكبرى وعلاقتها بالعالم وخاصة إفريقيا، معرجاً على القمة التي عُقدت مؤخراً في جنوب إفريقيا «قمة الصين وإفريقيا».. وشارك فيها أكثر من «25» رئيس دولة وعدد كبير من نواب رؤساء ورؤساء وزارات وممثلي دول فاقت الخمس وأربعين دولة من القارة السمراء..
> تحدث سفيرنا لدى بكين، حديث العارفين وهو كذلك، عن التحولات الهائلة في الصين ونهضتها الراهنة وتطوراتها وريادتها القادمة وعلاقتها بالسودان، وهو حديث يزيد من الاطمئنان إلى مستقبل التعاون الثنائي مع هذه الدولة التي صار اقتصادها هو الثاني في العالم بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وربما يصبح بعد قليل الأول في العالم، فإذا كانت الصين قد خصصت خلال الفترة الماضية «48» مليار دولار كقروض لإفريقيا، لم تحدث في تاريخ القارة، ولم يدفع الاستعمار الأوروبي طوال فترة تواجده مستعمراً في إفريقيا ربع هذا المبلغ، فإنها ستزيد خلال الأعوام الثلاثة القادمة هذه القروض إلى «60» مليار دولار، وستبدأ في نقل التكنولوجيا والصناعة للقارة، وقد اختارت أربع أو خمس دول لبدء هذه التجربة ومنها السودان، خاصة في صناعات الحديد والزجاج والنسيج وصناعات تحويلية أخرى، مع الاستهلال بتدريب مائتي ألف من الفنيين الأفارقة في مختلف مجالات التدريب ليكونوا القوة الإنتاجية الإفريقية في إطار الشراكات التي أبرمتها مع دول القارة.
> وللسودان -حسب حديث السيد السفير- نصيب وافر من التوجهات الصينية الجديدة، خاصة أن السودان هو البلد الذي أعطى المثال والأنموذج المحتذى في الشراكة والاستمثار مع الصين، وكان بوابة بالفعل نحو القارة الإفريقية، وتُعطي بكين أهمية كبيرة للسودان كموقع جغرافي وشريك اقتصادي وحليف دولي لا يُستهان به، وليس جديداً هذا التوجه الصيني تجاه بلدنا، فقد ذكر السفير قصة رامزة ذات مدلول كبير، مفادها أن رئيس لجنة الدفاع الصيني وهو أعلى من حيث المنصب من وزير الدفاع الصيني، قال لوزير دفاعنا السابق عبدالرحيم محمد حسين في آخر زيارة له إلى الصين قبل انتقاله لموقع آخر،«أنا قارئ جيد للتاريخ.. بلدي الصين لها علاقة قوية بالسودان من قديم الزمن فقبل 1500 سنة كانت السفن التجارية والعسكرية الصينية تصل إلى البحر الأحمر وتستجلب البضائع والخيول الأصيلة من السودان عبر ميناء سواكن»..
> وأصدرت سفارة السودان في الصين قبل فترة كتاباً بعنوان (2000) سنة من العلاقات، يحوي تاريخ العلاقة السودانية الصينية من ذلك الزمن السحيق حتى اليوم.
> في إطار العلاقة والشراكة في التعاون الإستراتيجي، تناول السفير تفاصيل محددة عن محاور الشراكة التي تم الاتفاق عليها خلال زيارة السيد رئيس الجمهورية الأخيرة، وهي شراكة كما استخلصنا من حديث السفير عمر، تفتح الأبواب كلها وتجعلها مُشرعة لنهضة حقيقية في السودان، وذلك ما عناه الرئيس أول من أمس أمام المؤتمر التنشيطي للحركة الإسلامية، أن السودان موعود بنهضة اقتصادية كبيرة بعد الاتفاقيات التي أُبرمت مؤخراً.
> وهذه النهضة الاقتصادية تشمل مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والنقل والتدريب والإدارة ونُظم وفنون الحكم والإعلام والثقافة والمجالات الأخرى ذات الطبيعة العسكرية والفنية، هذا بجانب التنسيق السياسي الكامل بين البلدين، كل هذه المبشرات في سياق ما يجري الآن، ويحتاج من الدولة تهيئة المواعين التنفيذية وسن التشريعات والقوانين وتبسيط الإجراءات وتخفيف البيروقراطية الإدارية لتشجيع الاستثمارات الصينية وتحفيزها كما تفعل دول إفريقية استفادت من التجربة السودانية مع الصين، فلحقت بالركب وسبقتنا في الإنجاز والتنفيذ..
> وبما أن الصين تخطو خطوات مدروسة ومنظمة في تعزيز مكانتها الدولية والتطلع لمستقبل جديد بحلول العام 2048م لتكون الدولة الأحدث في العالم، فإن التعاون الإستراتيجي معها يجعلنا نحن أيضاً نتطلع لاستلهام التجربة الصينية في البناء والنهضة ونُظم الإدارة، فالحليف الإسراتيجي هو الذي يعضد من مواقفك ويقف معك حتى تبلغ المبتغى والمُرام، وهذا ما نسعى إليه..