تسمح لي اديك كف ؟!!
تكاثرت في الاونة الاخيرة فيديوهات وتسجيلات تذيب القلوب اشفاقا، لحالات سوء المعاملة التي يتعرض لها ضعفاء لا يستطيعون ان يدفعوا عن انفسهم الضرر .. رضع في الحضانات .. صغار في عمر رياض الاطفال، أو شيوخ مسنين فقدوا القدرة على الدفاع عن انفسهم ضد معدومي الضمير الذين يضعهم الاهل في رعايتهم، وهم في غفلة عن ما يحدث لاحبائهم وفلذات قلوبهم من ضرب وتعذيب بل وقتل بطئ .. منها فيديو لخادمة تلعب برضيع وكأنه كرة سلة وتلقي به في عنف لا شك انه سيسبب له الاذى الجسيم لو لم يقتله .. واخر لشيخ مسن مشلول تقوم زوجة ابنه بضربه ضربا مبرحا قبل ان تجره لترميه على الارض، وتسجيل صوتي لام مقطوعة القلب تحكي عن انتهاكات خطيرة تعرضت لها طفلتها من مشرفة في احدى رياض الاطفال ..
سبحان الله .. تكرار تلك الحوادث رغم انها قد تكون معزولة ولا تشكل ظاهرة لكنها كافية لتوقظ الغافلين من اولياء الامور الذين يتركون احبائهم امانة في رعاية الغرباء، ان ينتبهوا لضرورة (التشييك) وراءهم للتأكد من استتباب الامن وسلامة ضمائر هؤلاء الامناء ..
حكايا سوء معاملة الضعفاء من معدومي الضمير والانسانية تتكرر في جميع والمجتمعات .. قبل فترة قرأت تقرير مخيف عن استعمال مسئولات حضانات الرضع في دولة مجاورة، للمهدئات وادوية النوم لاسكات نياصة العيال وبكائهم الكثير .. تقول احدى الامهات العاملات انها لاحظت ان ابنتها الرضيعة تظل نائمة من ساعة استلامها من الحضانة وحتى اعادتها اليهم في صباح التالي، ورغم ذلك لم تنتبه الام لما يحدث وربما شعرت براحة البال والاسترخاء جراء امتداد ساعات نوم الطفلة، حتى نزلت اجازتها السنوية وجلست بالمنزل مع طفلتها، حينها فقط بدأت اعراض الانسحاب على الطفلة وصارت تصرخ وترفس وارتفعت درجة حرارتها، وعندما اخذتها للطبيب اتضح انها مدمنة على مخدر الخشخاش الذي كانت مشرفة الحضانة تقليه مع اللبن لتسطيل العيال !!
حسنا يا جماعة .. ان يسئ انسان غريب لطفل او لشيخ عاجز امر مفهوم، ولكن ان يتعرض للساءة بقصد او بدونه من اقرب الاقربين فهذا ما يحير الشاويش، اذكر عندما اجرينا عملية جراحية دقيقة في القلب لاحد ابنائي وتدهور وضعه وادخل للعناية المكثفة لمدة تلاتة عشر يوما، كان فيها تحت تخدير دائم طوال تلك الفترة، وعندما من الله علينا وبدأت صحته في التحسن نقلوه لغرفة وسمحوا لي بالبقاء معه .. حينها كان لا يزال يعاني تأثير المخدر فينام طول النهار ويستيقظ ليلا حتى الصباح، وكان يبكي بشدة فاحمله واظل واقفة حتى تشرق الشمس فيستسلم مهدودا للنوم .. كانت الطبيبة عندما تدخل علينا في الثانية او الثالثة صباحا وتجدني اذرع الغرفة به و(الولي) جية وذهابا تخيرني (هل ترغبين في ان احضر له منوما؟) ..
قرار اعطائه المنوم لم يكن قرار لحوجة طبية ولكنها تختبر صبر امومتي، لان معاناته لم تكن بسبب وضعه الصحي انما هي مجرد لخبطة في اوقات النوم، فكنت ارفض بحزم وافضل ان اصبر على بكائه حتى نخرج بالسلامة من عنق زجاجة الابتلاء، وظللت قابضة على جمر الصبر والسهر حتى تم استدعاء الجراح الذي اجرى له العملية، فأخبرني بعلاج بسيط وهو ان اخرج في كل صباح بالصغير الى حديقة المستشفى ليرى الشمس وضوء النهار، لان ساعته البيولوجية قد تلخبطت وتشوشت بطول رقاده داخل الغرف شبه المظلمة باضاءتها الصناعية التي لا تفرق بين الليل والنهار .. سبحان الله ما هي الا يومين والثالث الا واعتدلت ساعات نوم المساهر الصغير …
تسمح لي اديك كف ؟!!
2
في الجزئية السابقة تناولنا ما يمكن ان يتعرض له صغار السن والعجزة كبار السن من انتهاكات وتجاوزات في حقهم ممن يتولون مهمة رعايتهم في غيبة الأهل .. فالتجاوز من الغرباء يمكن ان ينتبه له ويحاصر بالمراقبة والمتابعة اللصيقة لمن يقوم بتلك المهمة ، ولكن المشكلة تكمن في ان يتعرض هؤلاء الضعفاء للاذى من ايدي احبائهم من اللحم الحي فالحال هنا يطابق قول الشاعر (اشكي منك وليك) !!
قبل ايام التقيت بتقرير بث في الشبكات لما يتعرض له الاطفال من ذوي الاعاقة والمصابين بداء التوحد من (بعض) قساة القلوب من اولياء الامور الذين يدفعهم الشعور بالخجل من اولئك الاطفال المساكين فيفضلون ان يحبسوهم بعيدا عن اعين الناس وكأنهم عار أو سبة او نقيصة يمكن ان يعايروا بها .. في السودان بلد الطيبة والحنان هناك امرأة قاسية القلب قامت بحبس ابنتها المريضة نفسيا في غرفة وقامت بربطها بالحبال الى العنقريب وكانت لا تسمح لاحد بالدخول عليها او رؤيتها بل تدخل لها وجبات الطعام بنفسها ثم تعاود اغلاق الباب عليها وطبله بالطبلة وتضع المفتاح في محفظتها خوفا من ان يغافلها احد ويدخل على الصبية المسكينة التي ظلت رهينة محبسها حتى تدهورت صحتها ثم اسلمت الروح لبارئها وهي في عمر الزهور .. فغسلتها وكفنتها ثم فتحت الباب للناس ليحملوا الجثمان وهكذا حقت قسمها لكل من استعطفها من الابناء والاهل ان تسمح لهم برؤية البنية او اخذها للطبيب فكانت ترد عليهم بالقول:
انا قسمتا بي الله مافي زول يشوفا بي عينه .. الا تموت يشوفوا عنقريب جنازتها مارق بالباب ده !!
فئة اخرى قد تعاني الجحود وسوء المعاملة ككبار السن الذين يدخلون مرحلة الخرف فمع تنوع طرق الدخول في شبكات الخرف يتنوع الخرف في بت ام روحه .. فهناك من عاش طول حياته قاسي ومشاكس وصعب المعشر فما ان يدخل في مرحلة الخرف حتى يتحول طبعه للهدوء والرقة واللطف ويصير ودودا ونّاسا يلتف حوله الصغار ويتندر بنوادر خرفاته الكبار، وقد يكون لطيفا لين العريكة اجتماعيا طول حياته ولكن يصيبه في الكبر سهم الخرف بقسوة وفظاظة ويصير شكّالا ضارابا يتجنبه القريب قبل الغريب وهنا محك الابتلاء للاقربيين .. هل يصبرون على فظاظة سلوكه وصعوبة التعامل معه أم يهجروه ويعزلوه بعيدا عن الناس يعاني الاهمال وقلة الاهتمام حتى بنظافته الشخصية بل قد يلجأ بعضهم لادخاله في غيبوبة صناعية فيظل مدروخا بادوية السعال والمهدئات حتى يسترد صاحب الامانة امانته ..
مخرج:
كان حاج صابر رجلا قوي الشكيمة ولكنه ضيق الصدر يعاني العصبية وتسرع يده بالتفاهم نيابة عن لسانه لاهون اسباب الخلاف ومع تقدمه في السن تفاقمت حالته فبدلا من ان يميل للهدوء والسكينة واللطافة كحال اقرانه كان يزداد جهامة وعصبية يشتبك حتى مع (ضبان وشه) ان لم يجد من يشاكله وعندما دخل لمرحلة الخرف صار عكازه المضبب ويده المرزبة هم وكلاؤه الشرعيين للتفاهم مع من حوله .. انت كنت قريبا منه ناشك بت ام كف حتى تتزغلل عيناك وتفقد الرؤية لبضع ثواني وان كنت ابعد من متناول يده ناشك بعصاه حتى تتشنكل وتنكفي على وجهك لا لاي سبب غير تهورك بالمرور امامه ..
زادت حالته شراسه فلجأ ابنائه للطبيب الذي صرف له منوما ليهدئ اعصابه .. حبة واحدة ليلا ولكن الابناء الممكونين صاروا كلما ارتفع صوته يناولونه حبة حتى لزم الفراش لا بجر ايد لا كراع ولكن ما زال لسانه بخير فكان كلما مر بجواره احد الابناء ناداه ليسأله بصوت ناعس واهن:
تعال يا ولد .. تسمح لي اديك كف ؟!!