لقاءات غير رسمية
> اللقاءات غير الرسمية بين الحكومة وقطاع الشمال في أديس أبابا، يمكن أن تُفهم في سياقين مختلفين، فإن كانت بغرض ترتيب لقاء سوداني سوداني بعيد عن الوسطاء وإجراء تفاهمات خاصة تسهل وتقود إلى تجاوز نقاط الخلاف في التفاوض الرسمي، فذلك أمر محمود لا غبار عليه، وسيكون له ما بعده. أما إن كانت اللقاءات تمت بناء على رغبة الوسطا ء أو جهات أخرى رتبت لهذه اللقاءات ودعمت انعقادها، فالأمر يختلف في هذه الحالة، لأن الجهة التي ترتب وتطلب وتتوسط تنظر ما وراء وفوق هذه اللقاءات.
> وواضح من البيانات والتصريحات التي خرجت من طرفي اللقاء، رغم اختلافها في بعض النقاط وتقييمها، إلا أن الخطوة ذاتها تمثل تطوراً مهماً في التفاوض والحوار بين الجانبين، بُغية تحقيق السلام والاستقرار في المنطقتين ودارفور.
> وباعتبار أن هذا اللقاء هو الأول من نوعه يتم بهذه الكيفية، فإن آمالاً عراض ستنتعش بأنه يمكن أن يفضي إلى تفاهم ما بين الطرفين، لأنه حوار مباشر وصريح وبعيد عن التزيد السياسي الذي كان يحدث أيام المفاوضات الرسمية ووجود الآلية رفيعة المستوى ووسائل الإعلام وجهات دولية وإقليمية كانت تحشر أنوفها في المفاوضات وتعمل على توجيهها بالرفض والقبول.
> ولطالما كانت توجد رغبة كما نعلم من الجانبين في ضرورة إجراء حوار مباشر بعيد عن الوسطاء، وأهمية وميزة هذه اللقاءات أن تتيح الحديث الصريح جداً وتعطي فرصة للتفاهمات الضرورية التي غرضها الرئيس تحقيق السلام والوصول بالمفاوضات الى محطتها الختامية، وكان قطاع الشمال كما نعلم منذ الجولة الثانية يبحث عن لقاء غير رسمي ليقول ما لديه، خاصة أن الأوضاع على الأرض لم تكن في صالحه ولا صالح حلفائه في دارفور.
> اذا كانت النقاط الثلاث الرئيسة وهي تمثل جوهر الخلافات بين الحكومة وقطاع الشمال قد جرى نقاشها في الجلسة غير الرسمية بكل وضوح وصراحة وبعيدة عن المؤثرات الأخرى الإقليمية والدولية، يمكن القول إن هذه الأمور يمكن حسمها اذا توفرت إرادة وحرص خاصة من قطاع الشمال. فقضية مرور الإغاثة يمكن حسمها بالاتفاقية الثلاثية التي وقعها قطاع الشمال قبل الحكومة في سبتمبر 2913م، ولا توجد دول ذات سيادة تسمح بدخول إغاثة غير مراقبة وغير محددة ولا يُعرف من أين تأتي..؟ فإذا كانت هناك جهة وحيدة في العالم حريصة على وصول الإغاثة الى المواطنين في جنوب كردفان، فهي حكومتهم بلا شك وليس سواها..
> أما موضوع وقف إطلاق النار الشامل، فلو كان قطاع الشمال حريص على تحقيق السلام والاستقرار، فعليه عدم التردد في القبول بوقف إطلاق النار الشامل وليس الجزئي بغرض الإغاثة، فأي وقف شامل لإطلاق النار يمهد ويسهل للاتفاق النهائي، وليس لقطاع الشمال أية مصلحة في استمرار المواجهات والعمليات العسكرية في جنوب كردفان والنيل الأزرق. فالميزان العسكري ليس في صالحه وهناك تراجعات كبيرة في صفوف قواته، ومع اقتراب فصل الجفاف الذي ينذر بتحركات حكومية واسعة، فليس لدى قطاع الشمال خيارات كثيرة بالنظر إلى ضمور وسائل وكيفيات دعمه بتطورات الوضع في دولة جنوب السودان.
> من أهم نقاط الخلاف التي تقف حجر عثرة في التفاوض، هي القضايا القومية. ففي الوقت الذي يسعى فيه قطاع الشمال لتبني قضايا دارفور ومناطق أخرى في السودان، فإن الحوار الوطني الجاري في الخرطوم تجاوز كل هذه القضايا، وصارت مطروحة بين المتحاورين وتتباين فيها وجهات النظر، بل مطروحة بشكل أكثر صراحة ووضوحاً وجرأة من أطروحات قطاع الشمال المعممة غير المحددة.
> فعلى كل..اذا استطاعت اللقاءات غير الرسمية تحقيق تقدم ما، فالأمل سيزداد في أن يتمكن الطرفان من تجاوز نقاط الخلاف والوصول إلى صيغة توافقية أفضل تمكن من مواصلة التفاوض الرسمي دون أية عوائق أو تعنت..