محمد لطيف : والي الخرطوم.. انقلاب من نوع آخر
في رمضان قبل عدة سنوات كان وزير الدفاع حينها الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين يوجه الدعوة لقادة الصحافة والإعلام ورموزها لحفل إفطار ينظم بحدائق أبراج القيادة العامة بعد أن حولها الرجل من (خرابات) إلى حدائق وعمارات.. اطلعت على قائمة المدعوين.. فوجئت أنها تخلو من أي صحفية أو إعلامية.. فذهبت إليه محتجا ومطالبا بإضافة صحفيات.. وبعد جهد اقتنع وأضفنا بعض الأسماء أذكر منها الآن الأستاذة سمية سيد.. وحين اكتمل جلوس المدعوين من ضيوف وأعضاء هيئة الأركان وكبار الضباط.. ومد السماط.. كما تقول العرب.. في الحدائق.. في جو ربيعي بديع.. وفجأة ودون أي مقدمات هبت عاصفة ترابية عنيفة.. مصحوبة بزخات مطر قوية.. قلبت المشهد رأسا على عقب.. ولكن الجيش على طريقته كان حاضرا بالخطة البديلة.. حيث أمكن السيطرة على الموقف وتحويل الإفطار إلى داخل مبنى وزارة الدفاع.. غير أنني لم أهنأ بالإفطار فقد ظل الوزير يلاحقني بعبارة واحدة.. شفت نسوانك عملو فينا شنو..؟! حتى كدت أصدق أن الزميلات.. ناس سمية.. هن سبب العاصفة الترابية..!
تذكرت هذه الواقعة مع بعض الدهشة.. وأنا أتابع كلمة ذات الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين والي الخرطوم أمسية الأربعاء الماضية.. وهو يردد.. والله المرة فاس وبتقطع الراس.. قلت لجاري.. يبدو أن واحدة من حسنات انتقال عبد الرحيم للولاية أن مفاهيمه عن دور المرأة قد تحسنت بعض الشيء.. كان الوالي بحضور رئيس الجمهورية وحشد من ضيوفه يحتفل بإنجاز غير مسبوق حققته واحدة من وزارات حكومته التي تقوم عليها امرأة وهي الدكتورة أمل البيلي، أما الوزارة فهي وزارة التنمية الاجتماعية وذلك عبر مشاريع ديوان الزكاة بالولاية.. أما مبعث عبارة الوالي تلك.. فقد لاحظ ولا شك أن وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي الأم أيضا تتولى أمرها سيدة أخرى هي الأستاذة مشاعر الدولب.. وسر أن الوزارة الأكثر مالا تظل على خزانتها سيدة للمرة الثالثة على التوالي فهو رأي يردده الرئيس دائما أن النساء مؤتمنات على المال العام أكثر من الرجال.. ولا شك أن الوالي قد اقتنع بذلك أيضا الآن..!
ثم إن مبعث تعبير الوالي العفوي عن تقديره لدور السيدتين لم يكن محض مجاملة.. بل كان هناك بالفعل ما يستحق الاحتفاء.. أن يفكر ديوان الزكاة في تحويل بعض محتاجي الزكاة إلى مانحين للزكاة.. لعمري عبقرية تستحق التحية.. وهذا ما خطط له ديوان الزكاة ولاية الخرطوم ونجح فيه.. في مطبق أنيق وزعته في الاحتفال قالت الوزارة.. ومن دونها ديوان الزكاة الولائي.. إن الرسالة هي تمليك القادرين على الإنتاج وسائل ومشروعات تخرجهم من دائرة الفقر والعوز إلى دائرة الإنتاج والكفاية.. أما ما يلفت النظر حقا فهو حقيقة أن إدارة المشروعات تعتمد التدريب كشرط ضروري لتمليك الفقراء والمساكين مشروعات إنتاجية وذلك لتحقيق الأهداف التالية.. إكساب المهارات الإنتاجية.. زيادة دخل الأسر الفقيرة بغرض إخراجهم من دائرة الفقر.. التقليل من حدة البطالة.. توفير فرص عمل للخريجين.. إذن، الاهتمام بالتدريب يجعل المراقب يقترح تحويل كل ميزانية التمويل الأصغر لديوان الزكاة.. فالمعطيات هنا والمؤشرات هنا غير التي هناك.. وقد فصلنا في ذلك من قبل.. ثم إن منهج اختيار الممولين الذي يبدأ بالترشيح من الحي وصعودا عبر عدة مستويات يمنح هذا المشروع قدرا من الشفافية والعدالة نفتقدها في مجالات أخرى.. فالمشروع وبحجم التمويل الذي تم به يعتبر الأكبر في تاريخ الزكاة في السودان.