محمد لطيف : تعقيب.. عن مهرجان البركل.. قل يا لطيف
استنكر محمد لطيف تخصيص وتأسيس مهرجان البركل بقرار جمهوري وما أسماه (تحويل المهرجان الفكرة الثقافية الترفيهية البسيطة إلى كائن حكومي) وصفه بالخرافي.. ونتساءل: لماذا لا يجد مثل هذا المشروع، الذي يمكن أن يمضي إلى العالمية، المساندة والدعم على مستوى رئاسة الجمهورية التي أولت هذا المهرجان اهتماماً يليق به؟
إن الإرث التاريخي الحضاري للسودان يبقى كنزاً أثرياً مهماً له تأثيره كمستودع حضاري للبشرية، الأمر الذي يجعل السودان ـ وليس هذه المنطقة الجغرافية المحدودة ـ قبلة للسياحة العالمية، وهي ذات مردود اقتصادي عالٍ.
تمثل هذه البقعة بقدرها الجغرافي وامتداداتها التي حظيت بمواقع آثارية فريدة، مخزوناً حضارياً هائلاً منذ آلاف السنين، وتقف شاهدة بمعابدها وأديرتها وكنائسها ومساجدها في الكرو ونوري وكرمة وصلب وصاي وصادنقا والبركل الذي عرف بهذا المهرجان ووضعه في واجهة التاريخ..
جاء هذا المهرجان لمواكبة هذا التدافع السياحي والثقافي والاجتماعي الهائل والانفتاح الكبير على السودان الذي صار قبلة للسياحة الآن بعد بروز مصاعب للسواح في الدول المجاورة، وجاء مهرجان البركل لتوجيه رسالة قوية من خلال فعالياته.
جاءت فكرة مهرجان البركل وخرجت العام الماضي كمبادرة أهلية بمساندة حكومية، استجابة طبيعية للاهتمام المتعاظم الذي برز في الآونة الأخيرة لدى السودانيين بحثاً عن ذاتهم وبإحساس عميق تجاه حضارتهم المتجددة في دواخلهم، وأيضا تتويجا لبحوث ودراسات علمائنا الآثاريين وللاكتشافات المذهلة للبعثات العاملة في مختلف أماكن البحث الأثري في السودان، ولتضافر الجميع، الأمر الذي أماط اللثام عن الكثير من الكنوز والحقائق التاريخية التي يتم إعادة قراءتها وتفسيرها من جديد الآن.
لكن سيكتب لمهرجان البركل الفشل إذا تراجع إلى جغرافية ووحدة إدارية محدودة، سيكتب الفشل لهذا المهرجان إذا تجاوز جبل البركل الرمزية الحضارية والتاريخية للبركل. وقد تحدثت بصورة شفافة بهذا مع الأخ الدكتور حسن أحمد طه الأمين العام للمهرجان بحضور دكتور السعيد عثمان محجوب والأخ فريد محمد أحمد الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب السودانيين وقلت علينا أن نتجاوز البركل الجغرافيا إلى البركل المستودع الحضاري لكل السودانيين وهو يمثل بوضوح حضارة نبتة التي حكمت السودان والإقليم حينا من الدهر من الوسط وإلي أعالي وأقصى الشمال وتخوم كردفان في جبل الحرازة وجبل مرة وغيرها، بل يجب أن يعبر المهرجان في شكله القومي ولجانه عن إنسان السودان في الإنقسنا وسنار التي سيحتفل بها العالم قريبا كعاصمة إسلامية، لكل ذلك أعتقد أن مهرجان البركل هو رمزية لكل أهل السودان فلا ينبغي أن نجعله منكفئاً على داخله، ولن يشعر السودانيون بقومية المهرجان إذا تقاصرت الرؤى على المكان أو الإقليم الذي تجرى فيه فعالياته.
المهرجان سيتقزم وسيكتب له الفشل إذا ما ذهب بعيدا عن الأهداف الأساسية التي انطلق من أساس قاعدتها وهي استيعاب الجميع بمختلف مكوناتهم حتى لا يبحثوا عن وعاء آخر يعبرون من خلاله إذا ما أحسوا الغياب والتهميش.
لا أحد يشكك في قدرات أمينه العام الدكتور حسن أحمد طه الاقتصادي المعروف ولا رئيسه الدكتور عوض الجاز بكل تاريخه وصحبة الفريق المدهش عبد الرحمن سر الختم والفريق صلاح قوش ود. السعيد عثمان محجوب رائد الخرطوم عاصمة للثقافة العربية.
وسيصبح مهرجان البركل مهرجانا عالميا بحق مثل بقية المهرجانات (أصيلة مثلا) إذا ما صار أكثر قومية وشمولاً وتمثيلاً، لذلك على القائمين على أمره أن ينفتحوا أكثر والابتعاد عن الإقصاء في قادم نسخه لاستيعاب مبادرات وطاقات العلماء ورموز الثقافة والإبداع بكل ألوان طيفهم السياسي والجغرافي، لتعظيم المحتوى والمنتج الثقافي لهذا المهرجان حتى لا ينتهي إلى حفلات غنائية ورقصات فلكلورية كما شهدنا في العام الماضي.
والمهرجان يدخل بعد أيام قليلة مرحلة جديدة ويشهد نسخته الثانية، نرجو أن يتجاوز فيها إشكاليات البدايات المتعسرة فقد شهد العام الماضي فوضى وربكة وسوء تنظيم كاد يؤدي إلى إفساد هذا المشروع العظيم.
الدعوات بالتوفيق لمشروع كبير ومهم يستحق كل المساندة.
سيف الدين حسن
من المحرر:
مع تمسكنا بكل ما قلنا فنحن أيضا نتمنى نجاح المهرجان فقط نسأل: أين سيف الدين حسن وفريد محمد أحمد وغيرهم..؟