تحقيقات وتقارير

تسيب الموظفين.. تعطيل إجراءات المواطنين

ابتدر المواطن حيدر عوض الكريم حديثه عن تسيب الموظفين أثناء ساعات العمل، بأنه يتسبب في تأخير السفر وضياع الأرواح، بجانب إهدار الزمن وفقدان الوظيفة.. ومضى حيدر سارداً لنا حكايته مع التسيب قائلاً: إنه استيقظ ذات يوم باكراً للحاق بآخر يوم للتقديم لوظيفة، حيث طلبت منه الجهة المقدم لها أن يستخرج كرت لياقة طبية، وتوجه الى القميسون الطبي لاستخراج الكرت، وعند وصوله لم يجد الموظفين، فقد ذهبوا جميعهم لتناول وجبة الإفطار، وطال انتظاره، وبعد مرور ساعتين من الزمن عاد الموظفون، وطلب منه الطبيب عمل صورة أشعة للصدر، وعند عودته ومعه الصورة لم يجدهم ليخبره أحد الموجودين في الموقع أن الدوام انتهى وضاعت عليه الوظيفة، والسبب كما قال حيدر الساعتين التي ضاعت في تناول الفطور وضيعت عليه وظيفته.

تسيب من نوع آخر:
وهناك تسيب من نوع آخر ثمنه ضياع أرواح كما قالت المواطنة سمية علي: إن ابنها مصاب بأزمة، وفي يوم ما اشتد عليه المرض ولم يستطع التنفس، وأسرعت به برفقة زوجها الى المستشفى لإنقاذه، وعند وصولهم للمشفى لم يجدوا الدكتور اثناء ساعات العمل الرسمية، وبدأت رحلة البحث عنه وازدادت حالة الطفل المريض سوءاً.. وأخيرا وصل الطبيب الذي اتضح أنه كان في زيارة لصديقه في العيادة المجاورة.. الأمر الذي أزعج الزوج وانهال عليه بالضرب لتفريطه في آداء عمله وإهماله .
وقصة أخرى تحكيها المواطنة سلمى بابكر، وتقول إنها طلعت من البيت عند الساعة السابعة صباحاً لاستخراج إذن توثيق من المنسقية، ومع زحمة المواصلات وصلت عند الساعة التاسعة لتصطدم بصف طويل في انتظار اكمال اجراءاتهم، وبعد ساعة خرج الموظفون للفطور وعند عودتهم بعد مرور ساعة ونصف، قالوا إن الشبكة طشت، وعدت بخفي حنين دون إكمال اجراءاتي.

وظائف بلا مهام:
واتفقت آراء مجموعة من الموظفين بمؤسسات حكومية مختلفة بأن هناك خللاً في الوظيفة نفسها، وسوء تخطيط في التوظيف والتقسيم الإداري، وفي توزيع الموظفين والعمل نفسه، حيث ذكروا أن الوظيفة الحكومية مجرد مسمى لوظيفة، ولا يوجد عمل حقيقي يقومون به، وحتى وإن وجد فباستطاعة شخص واحد القيام به، في حين يوجد له خمسة أشخاص في المكتب، وخلق هذا نوعاً من الاتكالية والاعتماد على بعضهم.. وفي نهاية الأمر لا ينجز العمل.. وتضيف إيناس موظفة بوزارة الزراعة أن طبيعة الوظيفة هي التي تتحكم في انضباط العامل، فإذا كلف بمهام وظيفية معينة وكان هناك تحفيز له، فمن الطبيعي أن يقوم بعمله على أكمل وجه.. وذكرت فاطمة موظفة بوزارة الرعاية أن كل موظف يعطي الأهمية لاحتياجاته الشخصية التي يفضلها على عمله، ورأت أن الحل يكمن في وجود رقابة على العمل مع مثل هذه الحالات، ويجب أن يكون هناك موظف للبحث العلمي بالمؤسسة، ويُسأل شهرياً عما يقدمه للمؤسسة من انجاز جديد.. وأرجع الموظف عبدالمنعم ابراهيم عدم انضباط الموظفين لتدني الحوافز، وعدم وجود شغل في المؤسسات الحكومية، مما يؤدي الى تسيب الموظف وعدم التزامه .

الأمانة والإخلاص:
ويقول الشيخ الدكتور أبكر آدم رئيس قسم الأديان بجامعة بحري: إن إخلاص الموظف في عمله سواء كان حكومياً أويعمل في القطاع الخاص من الأهمية بمكان، فعليه التزامات وله حقوق، وهذه الحقوق لا يستحقها إلا بأداء عمله بالأمانة والإخلاص، وإخلاص الموظف في عمله يشمل انضباطه في الدوام، وتأدية عمله بالنزاهة والصدق، ودراسة المعاملات بعناية وعدم الاكتفاء بتمريرها فقط، واستقبال المواطنين بالبشاشة وطلاقة الوجه، بدلاً من التفكير في صدهم بأي طريقة كما يحدث الآن في بعض المصالح.
وأضاف أن العبادة والعمل ظلا محل اهتمام جميع العلماء، فإذا شرع الإنسان في عمله بإخلاص وإيمان نجح نجاحاً منقطع النظير، وهناك آيات كثيرة حثت على عظمة الأمانة وحملها، والمقصود بها جميع مناحي الحياة من العبادات والمعاملات، والتي يدخل فيها يقيناً العمل الوظيفي، وحثت على عدم خيانة الأمانة ويتضمن عدم الخيانة من الموظف المسلم أن يؤتي بعمله باتقان، وفي وقته ودون تأخير أوتعطيل أوتلاعب أو تساهل أو إخلال أو تقصير.
ويمضي شيخ أبكر قائلاً: من أداء الأمانة في العمل الوظيفي المحافظة على وقت الحضور والانصراف، وعدم الغياب بدون عذر فهذا الوقت ليس ملك الموظف، لأنه يأخذ عليه مقابلاً مالياً، فيجب أن يحافظ عليه، وأن يصرفه في وقت العمل المطلوب منه وأن لا يستغله بغير ذلك.

غياب الأمان:
وترى الباحثة الاجتماعية لمياء يوسف: إن عدم شعور الموظف بالأمان والراحة النفسية في محيط العمل يدفعه الى الإنصراف من العمل أو القدوم متأخراً بدون عذر أو مبرر لذلك، فالتسيب الوظيفي نتيجة برمجة نفسيه في ذهن الموظف، بالإضافة الى عدم شعوره بالانجاز داخل المؤسسة التي يعمل بها، حيث يولد لديه عدم الاهتمام واللامبالاة في الارتقاء بالعمل .
وتضيف الباحثة أن الراحة النفسية تساعد الموظف على اداء عمله وتجبره على إعطاء أكبر جهد والقيام بكافة مهامه الوظيفية على أكمل وجه، وينفذ كل ما طلب منه برضاء تام، فهناك من يتأثر سلباً في اداء عمله حينما يعاني نفسياً من مشاكل وخلافات مع رؤسائه أو زملائه في العمل، وبالتالي يظهر تقصيره في تنفيذ واجباته المكلف بها، وهذا التقصير قد ينتج عنه تأجيل أو تأخير أو إهمال لعمله، وتنصح الدكتورة لمياء مديري المؤسسات بكسب قلوب موظفيهم أولاً وأن تكون إدارتهم للعمل فيما يسمى بالإدارة بالأهداف، مع مراعاة العلاقات الإنسانية وتبني مشروع معين في المؤسسة يتم إشراك جميع الموظفين فيه بدلاً من العمل الفردي الذي يفضي الى عزلة كل موظف.

لا توجد رقابة:
وعند استفسارنا عن دور وزارة العمل في ضبط الموظفين ورقابتهم أثناء الدوام، وللتعرف على الخطة التي ذكرها وزيرالعمل في حديث سابق له، بأن هناك خطة لضبط دخول وخروج العاملين خلال ساعات العمل، وعند استفسار الصحيفة عن الخطة، وجهنا وزيرالعمل بواسطة سكرتيره بالذهاب الى وكيل الوزارة الأستاذة هانم برهان الدين، وبدورها وجهتنا الى ديوان شؤون الخدمة، واتضح أن ليس هناك خطة، وأكد لنا عدم استلامه اي توجيهات أو خطة لضبط العاملين أثناء العمل من طرف الوزارة.

تحقيق: ناهد عباس
صحيفة آخر لحظة