الصادق الرزيقي

لماذا يا كبر؟!

> لماذا كلما فقد أحد من الدستوريين موقعه ومنصبه في التغييرات العادية الطبيعية وهي سنة من سنن الحياة، يلجأ لأساليب فجة وعقيمة للتعبير عن غضبه وعدم رضائه، ويؤكد للجميع بتصرف غير حكيم حبه المجنون للسلطة وتمسكه بالمنصب والمكسب، ويكشف عن خبيئة نفسه بأن عمله في المنصب الحكومي لم يكن لله إنما لأهدافه وأغراضه الذاتية.
> استغرب كثيرون من حديث السيد عثمان كبر والي شمال دارفور السابق في الحوارالذي أجرته معه صحيفة «اليوم التالي» ونشر يوم الاربعاء الماضي في صفحتين كاملتين، قال فيهما قولاً ما كان من الحكمة ان يصدر عنه، حمم من الحنق والغضب، وتركيز على الذات مع شخصنة غير محمودة للشأن العام، وارتباك محير في إبداء الرأي حول القضايا التي اثارتها اسئلة الصحيفة أمامه، فخانته الحصافة والحكمة والتروي، فهوى الى القاع بعبارات شتائمية ومحاولة للتشفي والنيل من خصومه أو من يعتقد أنهم ضده، خاصة خلفه في قيادة الولاية الوالي الحالي.
> واظهر السيد كبر قدراً كبيراً، من التسرع والتهور في ردوده أفقده وسيفقده بالفعل مكانته السياسية التي كسبها من سنوات حكمه لولاية شمال دارفور لمدة تجاوزت اثني عشر عاماً، وقبلها كان عضواً ثم رئيساً للمجلس التشريعي بالولاية، كما أظهر في الحوار كماً هائلاً من الغل والخصومة لمخالفيه لا تليق برجل عرك الحكم والسياسة وصعد المنابر حتى منابر المساجد!
> هذا النمط من الممارسة السياسية، وفتح الجراح التي كادت ان تبرأ بسكين التباغض الحادة، هي آفة من آفات الاختيار الخاطئ من البداية لهذا النوع من السياسيين الذين جاءوا لملء الفراغ أو جاءوا من الفراغ نفسه، فليس من المقبول أن يطلق أي مسؤول سابق سهامه ونباله ويحاول أن يعمل نصاله الصدئة في إخوانه لسبب بسيط أنهم خلفوه في موقعه، فهل كان يتوقع السيد كبر أنه سيبقى في منصبه والياً في شمال دارفور وسلطاناً على الفاشر حتى يرث الله الارض ومن عليها؟ فمن الطبيعي أن يذهب وأن يقال من موقعه، فهو ليس خالداً مخلداً في مكانه، ولم تكن هناك أية مؤامرة لإزاحته من منصب الوالي لأنه لم يولد لهذا الموقع، كما لم يخصص له المنصب ويسجل باسمه، فهو واحد من عشرات أو مئات الولاة الذين حكموا ولايات السودان ثم ذهبوا وتركوا الموقع غير مغاضبين، بل بعضهم ترك الدنيا نفسها وغادرها لأن كل شيء بيد مدبر وحكيم خبير.
> فالذين لم يستحسنوا ما قاله كبر في حواره المتعجل الغضوب، لاموه في تفسيراته وتقديراته، ومنها اعتقاده أن الوالي الخالف له، وجه له اتهامات في ذمته المالية وبنهب سيارات حكومية وجدت بالفعل عنده وعند بعض محاسيبه، وأن الولاية ينوء كاهلها من الديون التي تركها وراءه، فهناك ولايات كثيرة يشكو ولاتها الحاليون من الديون كما تشكو ولاية شمال دارفور، وبعض الولاة السابقين لهم نفس هذه التجاوزات والمخالفات، أما قصة السيارات العسكرية وسوء استخدام السلطة والفساد وتبديد الأموال وأوجه صرفها وأشياء أخرى كثيرة، لم نسمع بها إلا في الحوار، لأننا لم نعثر على توثيق دقيق فيه شكوى قضائية أو على صفحات الصحف لحكومة الولاية الحالية تتحدث عن فساد وتجاوزات الحكومة السابقة والوالي.
> لقد خذلت السيد كبر خبرته الطويلة وخانته تقديراته، وعاد الحوار الذي حرص عليه بنتائج وخيمة عليه، وكسب عداء وسخط كثير من الناس، وفتح فوهات لنيران كان من السهل إخمادها، وأيقظ بحديثه في جوانب أخرى فتناً ظلت نائمة منذ خروجه من الولاية!! فلو كان له ناصح لما وقع على عنقه بهذه الكيفية.