مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : صفعات على خد الرعونة الدولية

يُعتبر قطع العلاقات الدبلوماسية حقا مطلقا للدول بوصفه أحد روافد السيادة، ويتم كوسيلة لكبح جماح عدوان دولة على أخرى. وما تقوم به إيران من حشدٍ بواسطة جيشها وميليشياتها، كان من الممكن أن يقود إلى حرب لو لا حُلم المملكة العربية السعودية وصبرها الذي كان يأمل منه الوصول إلى نوعٍ من التوافق حتى ولو على سبيل احترام العلاقات الدولية. وكان يُبتغى منه التعايش السلمي، وسدّ الذرائع لشنّ حرب أخرى تضاف إلى حروب المنطقة المشتعلة.
في الواقع لا أرى سببا وجيها لتمييع البعض لآرائهم المستغربة من قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. فالمملكة لم تخرج من إطار العمل القانوني الذي يكفل لها كامل الحرية لاتخاذ هذا القرار، الذي يخضع لسلطتها التقديرية. ومع أنّ إقامة أية بعثة دبلوماسية دائمة يحتاج إلى اتفاقية بين دولتين، وقد نصت على ذلك اتفاقية فيينا في مادتها الثانية: «تنشأ العلاقات الدبلوماسية بين الدول وتوفد البعثات الدبلوماسية الدائمة بناء على الاتفاق المتبادل بينهما»، فإنّ قطع العلاقات لا يحتاج إلى هذا الاتفاق لأنّه عادة ما يتم في إطار غير ودي.
وقد تكالبت أسباب عديدة من تلك التي نصت عليها قوانين الدبلوماسية الدولية، ارتكبتها إيران في حقّ المملكة ومنها ما يتعلّق بالاعتداء على الأشخاص أو الرعايا أو الأموال أو انتهاك معاهدة أو التزام دولي، أو انتهاك حرمة الإقليم. بالإضافة للأسباب السياسية والقانونية فيما يتعلق بمخالفة عدم التدخل في الشؤون الداخلية مثل التجسس والتخريب، وما يتعلق بانتهاك حرمة الأراضي. فكيف كان يمكن التصرّف مع دولة ترتكب كلّ هذه التجاوزات دون أن يرمش لها جفن. وبم يتم الردّ على سلطة دولة تطلق التصريحات العدائية والتحريضية وتتقاعس عن القيام بمهامها عن حماية أمن سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد، إن لم تكن هي من قامت بهذا الفعل بشكل مباشر.
لم يكن هذا الهجوم الذي يمثّل قصورا وإخلالا باتفاقية فيينا عام 1961 التي تكفل ضرورة التزام الدول بحماية دبلوماسيي الدول الأخرى الأول، فقد سبقه هجوم على القنصلية البريطانية واقتحام للسفارة الأمريكية منذ ثلاثة عقود واحتجاز من فيها.
لم يأتِ سؤال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لإيران بأن تقرّر ما إذا كانت دولة تحترم المواثيق الدولية أم ثورة، عقب قرار السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية معها من فراغ. ذلك لأنّ المملكة وهي تخوض هذا الصراع مع التمدّد المفروض من إيران في سبيل تحقيق إمبراطوريتها المزعومة، تواجه طموحا إيرانيا يتسربل برداء الثورة الشيعية تتحين الفرصة لشنّ حرب دينية تزعم أنّها حربا مقدسة. فما زالت إيران ومنذ سبعينات القرن الماضي تنظر إلى نفسها باعتبارها صاحبة قضية وهدفٍ سامٍ هو نشر التشيّع في العالم العربي.
ومن هنا يمكن اعتبار السلوك الإيراني تهديدا واضحا وجديّا للنظام الوستفالي الذي أسّس لمبادئ تحكم العلاقات الدولية بعد حرب الثلاثين عاما، فى وستفاليا عام 1648م، على أن تحقق هذه المبادئ الاستقرار في العلاقات الدولية. وكان أبرز هذه المبادئ ثلاثة هي: مبدأ الولاء القومي، مبدأ السيادة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ومن الممارسة على مدى عقود يتضح أنّ إيران بعيدة كل البعد عن منظومة دولة تتعايش مع بقية الدول ذات السيادة والاستقلال، لأنّها لا تعترف بالدولة ككيان شرعي، وإنّما تحتفظ به فقط لتمرير سياساتها التخريبية.
وإن كانت إيران تتوقع ردة الفعل هذه من قِبل المملكة، فتلك مصيبة لأنّها تشير إلى رعونة وتصرّفٍ غير مسؤول حملها على التمادي بما تقوم به. أما إن كانت لا تدري فالمصيبة أكبر، لأنّها تنم عن جهل مطبق بقواعد السلوك والعلاقات الدولية، وهنا تستحقّ العديد من الصفعات على سلوكها الفوضوي.