محجوب عروة : مع الشيخان الكاروري وعصام أحمد البشير
قرأت أمس في الصحف حديثاً لأصدقائي الشيخ عبد الجليل النذير الكاروري، إمام وخطيب مسجد الشهيد والدكتور عصام أحمد البشير إمام وخطيب مسجد النور، قرأت أن الشيخ الكاروري دعى في خطبته الأخيرة الى الأخذ بالحكمة لترويض ايران ومهادنتها حتى لا تنشب الحروب المدمرة بالعالم الاسلامي وتصب في مصلحة العدو وتؤجل معركة تحرير القدس. واتهم الكاروري الدول الغربية بالسعي الى تقسيم منطقة الشرق الوسط الى دويلات تتناحر فيما بينها مثلما حدث بعد اتفاقية) سايكس– بيكو( إبان الحرب العالمية الأولى والتي خدعت فيها بريطانيا العرب عبر رجل مخابراتها الشهير لورانس الذي سُمي بلورانس العرب حين منّ الشريف حسين )شريف مكة (بأن يجعله ملكاً على كل الدول العربية إن هو وقف مع دول الحلفاء)بريطانيا وفرنسا( ضد الامبراطورية العثمانية فكانت كذبة كبيرة حيث كانت بريطانيا وفرنسا تحتفظان بخريطة سرية للمنطقة أخفتها عن الشريف حسين وزّعت بينهما الأراضي العربية التي كانت تحت الحكم العثماني التركي فكان لبريطانيا الانتداب على فلسطين واخذت العراق ومنطقة عبر الأردن فأنشأت الاردن الحالية وكحافز للشريف حسين اكتفت بريطانيا بجعل ابنه عبد لله ملكاً على الأردن وابنه فيصل ملكاً على العراق وأخذت فرنسا سوريا وجبل لبنان وقد كشف الشيوعيون البلاشفة هذه الاتفاقية بعد سيطرتهم على روسيا..
أما صديقى الدكتور عصام البشير فقد انتقد داء التعصب الذي أصاب المجتمعات الاسلامية والانسانية وقال إن اجتهادات العلماء ليست مقدسة.. صحيح ان الخطبتين اشتملتا على قضايا أخرى ولكني أريد ان أناقش فقط ما أوردته عنهما هنا للأهمية..
ليعذرني صديقي الأخ الكاروري بأن أتساءل، هل يمكن ترويض إيران عبر المهادنة معها أم الأفضل ممارسة نوع من الضغط السياسي والديبلوماسي والاقتصادى حتى ترعوي وتلتزم بالحكمة التي نادى بها القرآن؟ فالشاهد منذ الثورة الايرانية وقف المسلمون بما فيهم العرب مع ثورتها ضد الطاغية الشاه صديق اسرائيل ولكن للأسف يبدو أن ايران فسرت ذلك نوع من الضعف يؤهلها لأن تتدخل في الشئوون الداخلية لجيرانها بل العرب كافة لتفرض أجندتها المذهبية والشعوبية، فما الذي يجعل إيران تقف مع الأقلية البعثي السوري ضد الشعب السوري الذي يشكل غالبه سنية هل فقط لمجرد انه نظام علوي أقرب للشيعة؟ ومع حزب لله الشيعي والحوثيين الشيعة؟ بل السودان السني المالكي؟ تلك إذاً قسمة ضيزي!!
ان ما تفعله وتقوم به ايران في جوهره هو مثلما فعله الشريف حسين عام ۱۹۱٤ بالوقوف ضد تركيا الأمر الذي أدى الى تفتيت العالم العربي والذي انتهى الى قيام دولة الكيان الصهيوني الاحتلالي في أرض فلسطين..
ان كان من فعل ايجابي يمكن أن يفعله العلماء المسلمون ياصديقي الكاروري فليذهبوا جميعا الى إيران ويقنعوها بهذا الخطأ الفادح الذي تمارسه الآن والذي سيؤدي حتماً الى تقوية اسرائيل.. وفي الوقت نفسه لابد من الضغط العربي السياسي والديبلوماسي والاقتصادي على ايران حتى تدرك أن فقدانها للدول والشعوب العربية أمر ضار بها…
من ناحية أخرى اتفق مع صديقي الأخ عصام البشير في قوله أن اجتهادات العلماء المسلمين خاصة في القضايا المعقدة المعاصرة مثل القضايا الاقتصادية بالذات يجب ألا تكون نصوصاً مقدسة ومفروضة على الدولة والمؤسسات بل مجرد اجتهادات قابلة للأخذ والرد والرأي والرأي الآخر، وقد كتبت في ذلك كثيراً خاصة في قضيتي صيغ التمويل المصرفي والضمانات التي كانت تعطيها شركات التأمين،)سأتحدث عنها لاحقاً ( للأسف يعتبرها بنك السودان نصوصاً مقدسة ويفرضها على البنوك والشركات الأمر الذي عطل حركة التمويل المصرفي وأصاب كثيرا من الاستثمارات فى مقتل وأضعف القطاع الخاص. اننى أرى أن الاجتهاد فى قضايا الاقتصاد يجب ألا تترك فقط لهيئات الرقابة الشرعية فنحن ليست دولة ثيوقراطية مثل البابوية المسيحية التي انتشرت في أروبا فكانت سبباً في العلمانية المعادية والرافضة للدين.. نحن دولة مدنية دستورية ديمقراطية الدين يمثل لنا عقيدة التوحيد الحقة والعبادة الصحيحة والأخلاق الايجابة القويمة والقوة الدافعة للنهضة وليس الدولاب الكابح فالاجتهاد مكفول ولكنه ليس مقدساً ولا محتكراً لفئة واحدة مهما كان شأنها..