منوعات

الصحف السودانيّة: عام لا يُبشّر بالخير

واقع لا يسرّ، هو واقع الصحافة السودانيّة، التي تأثرت سلبًا بتراجع الاقتصاد السوداني، بعد انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في العام 2011، وفقدان البلاد نحو 70 في المائة من إيرادات النفط الذي انسحب جنوبًا، ما قاد أخيرًا إلى تدهور الجنيه السوداني مقابل الدولار في السوق الموازية بواقع 11.5 دولاراً للجنيه الواحد، بينما كان قبل الانفصال 2.5 جنيهاً فقط.

إفلاس الصحف

وتعتمد الصحافة في مداخيلها على الإعلان، والذي تحتكر الدولة معظمه وتوزعه وفقاً للولاءات، فضلاً عن مداخيل الطباعة والتي تشكل 70 في المائة من صناعة الصحيفة ويتم استيرادها من الخارج.

هذان العاملان، قادا أخيرًا إلى خروج نحو ثمانية صحف سياسيّة يوميّة عن سوق الجرائد وإعلان إفلاسها خلال السنوات الأربع الماضية، التي أعقبت انفصال الجنوب، وكان آخرها صحيفة “السياسي” التي أعلنت إفلاسها، الشهر الماضي، وأبدى صحافيون في “السياسي” لـ”العربي الجديد” سابقاً تفاجؤهم بقرار إدارة الصحيفة بإيقافها وإبلاغهم الأمر، بحجة ارتفاع تكاليف صناعة الصحيفة وطباعتها وفشل الناشر في تأمينها على الرغم من التزامه طيلة مدة صدورها بدفع راتبهم دون تأخير.

الأمر الذي بدوره ساهم في تشريد عشرات الصحافيين في ظلّ الأزمة الخانقة التي تواجهها الصحف وتراجع فرص العمل، فضلاً عن إقدام صحف أخرى على تقليل العمالة في محاولة لمقاومة الأزمة الاقتصادية بالاستغناء عن أعداد كبيرة من الصحافيين والاعتماد بشكل أكبر على المتدربين، إذ يعملون من دون أجر.

ويرجح خبراء صحافيون، أن تخرج نحو سبع إلى ثماني صحف أخرى من السوق خلال العام 2016 الجديد، لفشلها في تأمين ما يمكنها من الاستمرار، ما يعني أيضاً، تشريد دفعة جديدة من الصحافيين. بينما في المقابل، تغضّ الدولة النظر عن أزمة الصحف، بل تعمد لتحجيمها أحياناً كثيرة، عبر زيادة الضرائب والجمارك التي تمثل عبئاً أكبر عليها.

رفع الأسعار

وفي محاولة يائسة، عمد ناشرو الصحف لزيادة تعرفة الصحيفة اليوميّة. فمن سعر “500” جنيه سودانية رفعتها إلى “1500”، وأخيرًا إلى “2500”، لكنّ الخطوة لم تنجح في الحدّ من جماح الأزمة، بل أثّرت سلبًا في عملية التوزيع. فالمواطن الذي كان يشتري أربع صحف يوميًا، بدأ يكتفي بصحيفة واحدة لارتفاع سعرها، بينما عمدت عدد من مكتبات بيع الصحف إلى تأجيرها مقابل مبلغ مائتين جنيه للصحيفة، لمدة ساعة ليستفيد هو ويخسر الناشر التي تعود له حزمة الجرائد كراجع.

الصحافيون وهاجس البطالة والتشريد

واقع مرير يواجهه الصحافيون ممن توقفت صحفهم عن العمل، إذ يكون مصيرهم الشارع، في ظلّ محدوديّة فرص العمل أو الهجرة أو اللجوء للأعمال الهامشيّة. وفي المقابل فإنّ حال زملائهم المستمرين في العمل ليس أسوأ من حالهم، إذ يعملون من دون أجر بسبب تأخر المرتّبات أشهراً أو لضاءلتها، فنجد صحافيين لا تتعدى مرتباتهم “500” جنيه. إلى ذلك، فإنّ حبّ المهنة وحدها من يجبرهم على الاستمرار، بينما توجد صحف مستقرة ماليًا، لكنّها، أيضًا، تعمد إلى تخفيض العمالة بسبب الأزمة.

ويتفق الصحافيون على الآثار السلبيّة التي تعود عليهم من توقف الصحيفة، خصوصاً وأنّ معظمهم يعولون أسراً ويخرجون من الصحيفة دون أن تغطي احتياجاتهم إلى حين تدبير فرص عمل أخرى، كما تقف الصحف فجأة ومن دون سابق إنذار، وتكون لديهم التزامات مسبقة.
وكثير من الخارجين تحضنتهم الأرصفة بالقرب من ستات الشاي، حيث يلتقون رفقاء المهنة ويتبادلون الأخبار، حتى لا يكونوا خارج الدائرة، لا سيّما وأنّ حلم العودة يظلّ يراودهم.

تقول “ميساء” (اسم مستعار)، إنّ صحيفتها توقفت في ظرف سيء لها ولأسرتها، إذ كانت بحاجة ماسّة لمرتّبها للمساهمة في ظرف معين واجه الأسرة ما أدخلها في حالة نفسية سيئة، وهي لا تعرف من أين ستتدبر المبلغ الذي سيحل مشكلتها.

تجميع الصحف السياسيّة

وأخيراً، طرحت الحكومة بقوة مقترح تجميع الصحف السياسيّة، والتي قد تصل في مجملها نحو “25” صحيفة في أربع أو خمس صحف كبيرة. وسبق أن عرض الرئيس السوداني، عمر البشير، ذلك المقترح من دون أن يجد طريقه للتنفيذ، بل إنه لاقى انتقادات من بعض الصحافيين الذين رأوا فيه محاولة سيطرة الدولة على الصحف.

ويرى وزير الدولة بوزارة الرعاية الاجتماعية، إبراهيم آدم، ضرورة تجميع الصحف في شركات ضخمة ليسهل على الدولة دعمها عبر تسهيلات لتؤسس بطريقة أفضل تضمن معها الاستمراريّة. ويوضح: “العدد الكبير للصحف حاليًا لا يمكّن من دعمها، ولا الإحاطة بها، ويحدث حولها نفوراً ما يقود لقلة التوزيع”. ويضيف: “الآن نجد المواضيع متشابهة في الصحف ما يجعل أحدهم يكتفي بصحيفة واحدة”. ويشير إلى أهميّة معالجة قضيّة الصحافيين ممن يفقدون وظائفهم عبر توفير فرص عمل في الخدمة المدنية. ويتابع: “لكنّه بالتأكيد ليس حلاً لأنّ الحلّ أن يجد الصحافي وظيفة في مجاله”.

عام لا يُبشّر بالخير

ويرى عضو مجلس الصحافة السابق، ورئيس تحرير صحيفة “الصيحة”، أنّ العام الحالي لا يبشر بالخير، فيما يتصل باستمرار الصحف. ورجح توقف ما بين سبعة إلى ثمانية صحف لا سيما في ظلّ ارتفاع صرف العملات الأجنبية، والذي أثّر سلبًا في ارتفاع أسعار الورق، باعتبار أن الصحف تعتمد على مدخلات الورق بنسبة 70 في المائة.

وأشار إلى أنّ العام الماضي شهد توقف ثلاث صحف لأسباب اقتصادية، قاطعًا أنّ الصحف في السودان أمام خيارين: إما اللجوء لزيادة أسعار الصحف مرة أخرى أو التوقف عن الصدور واضح “في حال عدم التوقف فستتساقط تدريجيًا لأنها ستتكبد خسائر”. ورأى أنّ الصحف قد تلجأ لابتكار حلول إما بالاندماج أو إدخال مسثمرين جدد برأس مال أكبر أو محاولة التوافق على طريقة مثلى لاستيراد الورق حتى تستمر.

وأكّد أنّ الأوضاع الاقتصادية بالصحف أثر على أوضاع الصحافيين الذين يعملون في ظروف صعبة بالأصل، لا سيّما في ظل البيئة السياسية والقانونية السيئة، والتي تؤثر في توزيع الصحف وأضاع الصحافيين عموماً. وأضاف: “وهذا قاد بعضهم للتفكير في الهجرة وشدد على ضرورة أن يعمد مجلس الصحافة واتحاد الصحافيين نحو مساعدة الصحافيين عبر ابتكار طرق دعم لحاجتهم الماسة لها”، معتبراً أنّ “العدد الضخم من الصحف الحالي ناتج عن العقلية السودانية التي لا تميل نحو الشراكات وجنوح كل فرد تجاه الانفراد باستثمارات”.

العربي الجديد