حسين خوجلي

صحيفة في مقال


(1)
< الجمارك في الصورة تماماً بابعاد مديرها ومدير مكتبه < الجمارك في الصورة بالمبالغ المهولة التي تقتلع من محمد أحمد المسكين لصالح أباطرة الخدمة العامة والساسة لا الجماهير < الجمارك في الصورة لأنها عبر مبالغاتها في المكوس أصبحت أكبر مؤسسة وطنية لتسويق التهريب والرشوة والتجاوزات وإفساد كادرها من المدير حتى الخفير. ويظل الأخيار فيها ما بين الصمت والحيرة. (2) < أقلقوا الشعب منذ مطلع الخمسينات بهذه الوريقة أو البقرة غير المقدسة المسماة بالدستور مرة دستور إنتقالي وأخرى دستور معدل وثالثة دستور دائم وأحياناً دستور غائم وذات مرة دستور علماني مرة دستور إسلامي وأحياناً (بين بين) وهلمجرا مئات اللجان التي تعقد وتنفض في وريقات لا تزرع ولا تنتج ولا تصدر ولا تداوي ولا تسقي ولا تعالج ولا تعلم.. لا تسمن ولا تغني من جوع كلها مؤامرة لإلهاء الناس بالكليات والاختلاف حولها هروباً عن إنجاز البرامج ومواثيق العمل الدستور في كلمات قليلات هو إحترام العقائد الإنسانية ودين الأغلبية وإعلاء قيم الحريات والعدالة بإشاعة أدبيات الحق والخير والجمال. وبعدها فلتذهب الأغلبية صوب الحقول والمدارس والمصانع والمساجد والكنائس لتمارس فضائل الكفاية والعدل والوقوف تحت شمس المجد مباشرة نعم دستور في سبعة أسطر- بل في سبع كلمات نعم للدستور المختصر المفيد حتى تحفظوا للناس أموالهم وأوقاتهم وأرواحهم قبل أن يصيح أبو آمنة حامد في برزخه البعيد (قوموا بلا دستور بلا لمة). (3) في كل قنوات الدنيا هنالك تيم للكتابة الابداعية لابتدار البرامج وكتابة السيناريو والحوار والمداخل والفواصل وفي بلادنا تقلصوا حتى صاروا يعدون على أصابع اليد الواحدة وحتى هؤلاء القلة ضربتهم المقولة السهلة الصعبة (زولاً ستر حاله في الغربه البطالة) جاءني يوماً المخرج مسرعاً لكتابة مدخل لسهرة ود اللمين ومن غير تخصص كتبت على عجل في الليلة الكبيرة ضرب (النوار وعداً) مع الندى والأزاهير والموسيقى وكان الحضور الأكفأ من سمار الليالي الخليل.. كرومة والكاشف وردي وبرعي وأمير العود وكابلي والنقيب وعثمان وسهرت المدن السودانية الحالمة مروي وعطبرة وشندي والخرطوم وأم درمان ومدني والدويم وكسلا والثغر الحبيب وسنار العتيقة والأبيض والفاشر ونيالا والجنينة حين ترفل الحديقة على محيا الناس وعقولهم ويسهرون جميعاً سهر الشوق في العيون الجميلة < وفي الليلة الكبيرة.. صار فجأة السودان واحداً ومعافى (من غير بنسلين و(دكاترة) فقد جاء السودان على قطار العاشرة حزمة من الأوتار والأفكار والشجن العاطر والرزاز والمطر الحاني والحب الحنين (وسالت مشاعر الناس جداول) < وفي سهرة العيد يغني ود اللمين كما لم يغني من قبل ويفرح الناس به وبانفسهم في حضرته كما لم يفرحوا من قبل وتعود القافلة المهاجرة الى مسارها وتؤوب الطيور الى أوكارها وتمارس القوافي والقصايد رحلة الرُّجعى للجديد والشوارد وحين كاد القرطاس والقلم أن يصلا المدى.. صاح فصيح الملتقى عزيزي الباشكاتب تعال قبل السنين تجري وتعال فرّح ليالينا نعم لقد كتبتها لهم مضطراً صرت موظفاً كتابة إبتدارية ومحترف فواصل ولكن ليوم واحد.. إلا مضطراً. (4) قال لي بلا مقدمات ترى من ترتجي وتشتهي لاعضاء الحوار قلت متكئاً على شهوات الشعر المحتل شهوة لوجوه النساء اللواتي يخفن قليلاً ولكن يقفن طويلاً بجفن الردى وهو نائم وطرحاتهن الغيوم وأقدامهن الجنان وفي روحهن الأساور والماس لا في المعاصم يطرز أثوابهن العجاج الكريم فيخدشن خوذة عصر الغزاه ويسقطن عصر الهوانم شهوة لوجوه الرجال الذين بنوا في المضافة بيت الكرم وبيت النكات اللئيمة بيت التهكم من كل عالٍ قوي وبيت المساء الطويل بطول الجدال وأختار كل البلاد كأن الحصيرة من تحتهم هيئة للأمم (5) الذين يزعمون أن الأستاذ علي عثمان لا يتحدث لا يعرفون موهبة الصمت المفصح والصبر الجميل وما بين الصمت والصبر تتنحى لغة (الضاد) وتبرز لغة (الصاد) (6) سعيد ومبارك ذلك البيت الذي تحرسه بالذكريات والوصايا تجارب الأستاذ الشيخ علي عبد الله يعقوب (أبو الشهيد) والأستاذة حكمات حسن أحمد.. اللقيا التي قامت على الفكرة والاحلام المجنحة ولم تخبو هذا الثنائي المبارك الذي رعى ثورة الشباب والفن والأدب والمسرح الملتزم والسياسة المنتجة.. انني كلما رأيت بؤس الساحة الشبابية والطلابية ومنابرها تذكرت دامعاً سنوات علي عبد الله الزاحفة وسنوات حكمات التي أقعدتها الظروف وثقل الواقع عن نشاطها المثمر الأخضر وأقولها في عبرات مليئة بالرجاء والدعوات عزيزي علي وعزيزتي حكمات (ومن لؤم الأيام أيها الكرام أنها لا تعود القهقرى) (7) قال لي زارتنا بمنزلنا قبل أيام الصبية ماريانا ابنة الدينكا العفيفة المعتدة بنفسها وبكبريائها.. زارتنا للتحية والمجاملة بعد أن عادت من الجنوب كسيرة الخاطر.. تحلقنا حولها في حب سألناها عن الجنوب فبكت في حرقة ولم نثرثر كثيراً حول الأمر احتراماً لمشاعرها.. سألتها ولماذا عدت للشمال؟ فقالت في صدق وحنان (دي ما بلدي وانتو ما أهلي) كانت جملتها الأخيرة وبالطريقة التي قالتها بها أقوى من الاتفاقات والايقاد وأصدقاء الايقاد والحلم الأمريكي البغيض بالفوضى الخلاقة (8) أغلب معارض الكتاب العربية لا جديد فيها فهي أما تكرار لوفيات الأعيان أو نقل عن المستطرف والأغاني أو إعادة إنتاج لخزعبلات علي عبد الرازق أو سرقات غير بليغة وغير بعيدة عن القرضاوي والغزالي أو اختزال للتفسير التوحيدي للترابي أو مترجمات عجلى لكتب الغربيين المحلاة بأكذوبة هذا الكتاب طبعت منه عشرة ملايين نسخة.. العالمون ببواطن الأمور يقولون بأن أصحاب الإضافة في العالم العربي أما أنهم لا يملكون ورقاً ودواية أو أنهم لا يجيدون الطباعة على الكمبيوتر الذي لا يجيدون لغته.. أما أنهم ينتظرون إعانة لاجراء عملية (الماء الأسود) من عيونهم المرهقة تلك الأعين التي أخطأت حتى التمييز والأحرف. (9) قرأت في صفحة الحوادث والقضايا لإحدى الإصدارات بأن طالباً انتحر (بالصبغة القاتلة) لأن حبيبته المزعومة قد هجرته.. مسكين هذا الطالب فهو لا يعلم بأنها حتى وإن لم تهجره فان نسبة أن يلتقيا في هذا الظرف الاجتماعي والاقتصادي العصيب يمثل مجرد كسر من النسبة المئوية للأمل الخائب صحيح أن القدامى من العذريين والواقعيين كانوا يموتون كمداً من الهوى وولهاً ورقّة ولكنهم ما كانوا ينتحرون لا بالصبغة ولا بالقاء أنفسهم من شاهق وقديماً استوقفتني أبيات عاشق فياضة بالمعاني والقيم ومنها فإن مت في ذا الحب لست بأول فقبلي كان العاشقون كثير واني على ما في من ولع الصبا جدير باسباب التقى وخبير وان عرضت لي في المحبة نشوة وحقك اني ثابت ووقور وان رقّ مني منطق وشمائل فما هم مني بالقبيح ضمير وما ضرني اني صغير حداثة إذا كان قدري في الأنام كبير