غني يا اعتدال
* أغالب حبي للموردة فيغلبني، فأدندن مع القرقور المبدع محمد حامد الجزولي أهزوجته الشهيرة: (غني يا إنصاف.. القرقور ما بخاف.. هلال مريخ خُفاف.. غني يا اعتدال.. المورداب رجال.. اتغدوا بالمريخ.. واتعشوا بالهلال).
* القراقير.. المورداب (سبب العذاب) جار عليهم الزمن، فأصبحوا سبيلاً للغاشي والماشي، وتراجعت بارجتهم، وغرقت في فخ الهبوط إلى الدرجة الأولى، وعجزت عن العودة إلى بحر الدوري الممتاز.
* مضى زمان كانت أهازيج ود الجزولي وصحبه تفعل بأسود الموردة الأفاعيل، وتجعلهم يقاتلون بشراسةٍ لانتزاع الفوز من أعتى الفرق.
* في عهدهم هزمت الموردة الزمالك كأول فريق سوداني يقصي فريقاً مصرياً من البطولات الأفريقية، وتأهلت إلى نصف نهائي بطولة الأندية العربية في الدوحة، وصرعت حمام الأنف في تونس، وتجاوزت بطل جنوب أفريقيا، وقدمت أجمل العروض في أنغولا.
* موردة العمرين، موردة أولاد العاتي وعلي سيد أحمد وحامد الجزولي وصفيحة وترنة والمحينة وبشير عباس وأولاد دوكة والصياد وعوض دوكة وعصبة والصبابي وأبو كدوك وبريش وعصام عباس ومغربي ومحجوب ومجدي الزومة وياسر خضر وضربا والجقر وعصمت الامتداد وغيرهم من أفذاذ اللاعبين الذين ارتدوا شعار الكلية الحربية، جار عليها الزمان، وصارت مصنفة من الفرق الصغيرة في الخرطوم.
* مضى زمن كان فيه ود الجزولي يغني: (المابي الغُلُب يبقى عاشق هلب يا ناس)، ويترنم: (يا كوتش يا برهان.. الهلال مالو زعلان)، ويدندن: (الموردة أسطورة.. أساس ومهد الكورة.. عمار دا قال ما فيش مجال.. دي الموردة الغلبت الهلال.. موردتنا الفنانة.. غلبت الهلال في ميدانه.. موردتنا الفتية.. غلبت الهلال في الكلية.. المورداب سبب العذاب.. والقمر غاب.. هنا في الموردة)!
* عندما هزمت الموردة المريخ، وتولى نجمها الصادق ويو مراقبة إبراهومة بصرامة، وأخرجه نظيفاً من المباراة، كافأه ود الجزولي بأهزوجةٍ جميلة قال فيها: (أفتح فيهو.. خليك حنين يا ويو.. ما تعفص السوسيو)!
* عندما تمكنت الموردة الفتية من قهر مريخ مانديلا، وأحرزت لقب دوري السودان في العام 88 غنى لها محبوها: (ألمي ألمي أنا يا ليلى.. من كديس وبريش أنا يا ليلى.. مغربي الفنان.. عازف الألحان.. تخصص أقوان.. شرط شباك شنان.. أنا يا ليلى)!
* وحينما تكاثرت شكاوى المورداب من ظلم الحكام لهم أمام طرفي القمة، جادت قريحة ود الجزولي بأهزوجة جميلة قال فيها: (أنا الموردة مراكب بي شراعا.. أنا العندي للتحكيم مناعة).
* تغير الزمان، وغاب الولاء الذي كان يميز نجوم الموردة سابقاً، وسادت سطوة المادة، فبادت حضارة القراقير، لأنهم لا يملكون المال الذي يملكه المريخ والهلال.
* على المورداب أن يعوا حقيقة أن الولاء وحده لا يكفي لمقارعة مال القمة، لأن لاعبي الموردة أنفسهم ما عادوا غيورين عليها مثلما كان الجيل السابق.
* كان ود الجزولي يغني لهم: (دفاعنا ما بنقدر.. محجوب وياسر خضر.. مجدي.. ضربا.. والجقر.. والمدرب يا ناس قدر)، حالياً صار دفاع الموردة أكثر هشاشة من سمك عوضية الشهي!
* نادي الموردة أعرق من المريخ والهلال، لكن مشكلته تكمن في أن أهله تعصبوا لحيهم أكثر من اللازم، وتمسكوا به اسماً لناديهم عندما أقدم المريخاب على تحويل اسم فريقهم من المسالمة إلى المريخ في العام 1927، فمنحوه بعداً إضافياً وأفقاً أوسع، فشاع وأصبح لكل أهل السودان.
* على درب المريخاب الأوائل سار الأهلة، لكن المورداب تمسكوا (بعصبية القبيلة)، واختاروا أن يسجنوا فريقهم في نطاق الحي الصغير، فأضروا به، وانكمشت الموردة في سجنها الضيق مع مرور الزمن.
* كانت الموردة تستغل سلاح الولاء للتفوق على طرفي القمة، وكان رفاق بريش يدافعون عن شعار ناديهم وكأنهم يدافعون عن دورهم وأعراضهم، وكانوا يرفضون الهزيمة ويفقدون أعصابهم إذا خسروا.
*أما الآن فقد أصبحت الموردة لا تحلم باللعب مع العملاقين إلا ودياً، لأنها هبطت إلى الدرجة الأولى، بعد أن تلاشى عنصر الولاء، وساد سلاح المادة في زمن الاحتراف، وما عادت الموردة جاذبة للاعبين المميزين.
* كانت الموردة تربي لاعبيها عبر فريق الأشبال، وتغرس فيهم حب (الهلب) وروحه الفتية مبكراً، لذا حافظت على وهجها حتى انطلق الممتاز في منتصف التسعينيات، وعندما ألغى الاتحاد جهاز الأشبال دق إسفيناً في جسد البارجة، وقضى على آخر مصادر قوتها، فتحولت إلى شبح لا يمت إلى الأصل الجميل بصلة.
* أذكر أنه وعندما سجل الهلال الإريتري يوهانس (له الرحمة) غنى محمد حامد الجزولي: (القصة ما يوهانس.. القصة في الإحساس.. الغيرة والإخلاص.. القصة ما مليون.. منو البجيب القون)!
* تلاشى المال من خزائن البارجة فسار الفارق إلى اتساع، حتى سقطت الموردة في جب الهبوط، وأصابها ما أصاب التحرير والنيل والعامل وأندية أخرى، كانت ملء السمع والبصر، وصارت أثراً بعد عين.
* كتبت في ما سبق مقالاً بعنوان (المورداب شاربين الكورة شراب)، لكن ذلك الزمان ولى، وجار على الموردة الحبيبة، فتضعضعت، ونرجو أن يستفيق أهلها قبل فوات الأوان، كي يعيدوها سيرتها الأولى، كضلعٍ ثالث للكرة السودانية، وتعود معها مقولة (الموردة بتلعب)، وتستعيد المستديرة نغماتها الجميلة، ونستمتع بأهازيج ود الجزولي الحلوة في المدرجات من جديد، ونردد معه نحن عشاق الهلب (بالتجنس): (نحنا جينا.. نحنا جينا.. مورداب أنحنا جينا.. هلبنا زينة.. وعوجاتو ما بتجينا).. و(المابي الغلب يبقى عاشق هلب يا ناس)!
* هبوط الموردة مثل غرق السفينة (تايتنك)، حدث لا ينسى، وفاجعة صادمة لكل عشاق الكرة في السودان.