المخدرات.. خطر داهم يهدد البلاد
برزت في الآونة الأخيرة قضايا تهريب المخدرات بصورة أقلقت الرأي العام والجهات الشرطية، ورغم أن القضية ليست حديثة عهد لكنها في الآونة الأخيرة أخذت منعطفاً جديداً وخطيراً، عندما أخذت تدخل عبر الشبكات الإجرامية المنظمة، وبكميات كبيرة تدفع للتشكيك في الجهة التي دفعت بها إلى الوجهة المعنية أو المستهدفة بها. فالإتجار عبر النقل البحري هو أقل أساليب النقل تكلفة، لكن المضبوطات التي يحملها أكبر بكثير من غيرها من المضبوطات من حيث الوزن، فهي كميات كبيرة بصورة غير متناسبة، تجسد ذلك في الشحنتين المتتاليتين اللتين تم ضبطهما بميناء “بورتسودان”، وكانتا بأحجام وكميات كبيرة، وأثارتا لغطاً مجتمعياً كبيراً.
ولتوضيح ملابسات تلك الشحنات، ودخول المخدرات بصورة عامة وترويجها، وأماكن زراعتها وكيفية مكافحتها إلى جانب إبادتها، استعانت (المجهر) بمدير دائرة الشؤون الفنية بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، العقيد “أحمد محمد عبد الوهاب”، الذي أماط اللثام عبر محاور التحقيق، والذي استصحب رأي الدين في هذه الظاهرة المهلكة.
إبادة المعروضات
وعن إبادة “المخدرات وموقع الإبادة، قال العقيد شرطة “أحمد محمد عبدالوهاب” إن جميع الكميات التي تم ضبطها بالحاويات الأخيرة بولاية البحر الأحمر، تمت إبادتها وفقاً للأحكام الصادرة بإبادة المعروضات من السلطة القضائية، وعادة ما تكون لجنة من الرئاسة وتمثيل للنيابة والشرطة والصحة، على أن تجرى الإبادة في مناطق خارج المدينة، أعدت بمواصفات خصيصاً لهذا الغرض، وعادة تباد الحبوب بإذابتها في مواد كميائية، أما الحشيش فيحرق في محرقة مصنعة خصيصاً لهذا الغرض.. وبالنسبة للتحقيق في ضبطيات حاويات “بورتسودان، أكد محدثنا أنه قد تمت إبادة بعض المعروضات عقب صدور حكم نهائي بحقها، فيما بقي الاتهام في مواجهة المتهمين الأجانب بخارج البلاد، وتجرى التحقيقات على بقية الحاويات التي ينتظر إكمال التحقيق حولها. مبيناً أن آخر ضبطية المتهم فيها أجنبي من دولة عربية تبلغ حوالي
(2.608000) حبة مخدرة،
ولفت العقيد “أحمد محمد” إلى اختلاف الضبطيات، ولكن بالنسبة لآخر ضبطية فإن المتهم الأساسي فيها أجنبي من إحدى الدول العربية ضبط بحوزته حوالي (2.608.000) حبة ترمادول، مخبأة داخل قطن طبي، وبعض الأواني المنزلية.
*استغلال الموانئ
هل حروب الدول كـ”لبنان وسوريا” مثلاً ساعدت في أن تكون وجهة تجار المخدرات من تلك الدول، هي السودان؟.. سؤال طرحته (المجهر) على العقيد “أحمد”، الذي قال: يبدو فعلاً أن موقع السودان الجغرافي الرابط للقارة الأفريقية والآسيوية جعل المهربين يحاولون استغلال موانئ السودان لتهريب المخدرات، سيما بعض الأنواع مثل “الكبتاجون” و”الحشيش اللبناني” لدول الخليج، لكن للحروب في دول شرق أفريقيا والمشرق العربي، دوراً كبيراً في تحويل ما يعرف بمسار المخدرات، وانعكس ذلك في تزايد الكميات المهربة عبر ميناء “بورتسودان”، في الآونة الأخيرة.
أما فيما يعنى بضبطيات الأجانب، وما إذا كانت تتم محاكمتهم في السودان؟ أوضح “عبدالوهاب” أنه وبحسب ما هو منصوص عليه في قانون الإجراءات الجنائية، تتم محاكمة المتهمين داخل القطر الذي ارتكبت فيه الجريمة، وبنفس البلد وبالتالي يقضون فترة العقوبة في السودان، ونفى تقدير المخدرات بقيمة مالية، على أنها مال فاسد لا يقدر بثمن.
يقال إن حبوب “الخرشة” هي حبوب لعلاج الصرع، بيد أن العقيد “عبدالوهاب” عرفها بأنها الاسم الطبي الحقيقي للحبوب الـ) EXOOL5) (إكزول فايف) التي تصرف كوصفة طبية بغرض العلاج.
*أهم الضبطيات:
وبالنسبة لجهود الإدارة ومساهمتها في مراقبة الموانئ والمطارات، للحد من انتشار المخدرات، أوضح مدير دائرة الشؤون الفنية لـ(المجهر) أن لديهم وحدات متخصصة في الموانئ البرية والبحرية والجوية تعمل في تنسيق تام مع الجهات المعنية من الأجهزة الأمنية وشرطة الولايات والجمارك، وتستخدم أجهزة الكشف الحديثة والكلاب الشرطية إضافة لتبادل المعلومات مع دول الجوار والمسار.
واستطرد محدثنا، معدداً الإنجازات التي حققتها دائرة الشؤون الفنية، مبيناً أن أهم الضبطيات التي أشرنا لها والمتعلقة بشحنات مخفية داخل الحاويات، هي نتيجة لتكاتف الجهود وتبادل المعلومات، وعبركم نوجه رسالة لتجار ومافيا المخدرات: “إن البلاد محروسة ومؤمنة ولا مجال لاختراق الأجهزة الأمنية”، وقال: إن الرسائل كثيرة ولكن نود أن ننوه إلى ان الأمن مسؤولية الجميع، وأن للمجتمع دوراً كبيراً في نشر الوعي وتمليك الجهات المختصة والمعنية بالمكافحة أي معلومات تفيد في هذا المجال، وأن لا يلتفتوا للشائعات، أيضاً ليس هنالك حصانات لأي متهمين تثبت إدانتهم في جرائم المخدرات، وأنه ليس هنالك كبيراً على القانون.
*دور الإعلام
ومضى العقيد “أحمد محمد” بقوله فيما يعني بتضافر الجهود لمكافحة المخدرات فإن المسؤولية تضامنية، ونحن في حاجة لأي دعم أو شراكات من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية، وجهود الفئات الطلابية والشبابية للتوعية من مخاطر المخدرات، ونعول ونراهن بصورة كبيرة على دور الإعلام في عملية التوعية والإرشاد والتبصير بمخاطر المخدرات، ولدينا تنسيق كبير في هذا المجال، حيث أقمنا دورات تدريبية للصحفيين بالتنسيق مع الإدارة العامة للإعلام والعلاقات العامة برئاسة الشرطة، ونتطلع للمزيد من الشراكات المثمرة.
بما لا يدع مجالاً للشك، فإن المخدرات أصبحت مهدداً أمنياً واجتماعياً، سألت ” المجهر” العقيد عن ما إذا كان للأجانب دور في تفاقم المشكل.. فقال: مثلما لوجودهم إيجابيات في دعم عملية التنمية، أيضاً هناك مسالب، وظواهر دخيلة على مجتمعنا يستصحبونها معهم في هجرتهم أخطرها تجارة المخدرات، ولدينا حالات وشواهد كثيرة في تورط أجانب بجنسيات مختلفة عربية وأفريقية وأوربية، وهذا من شأنه أن يلقي بظلاله على المجتمع واقتصادياته.
*زراعة المخدرات
وعن متى وكيف تتم مكافحة زراعة المخدرات، وما إذا كانت هناك مشاريع بديلة، فقال: زراعة المخدرات تتم في ولايات “دارفور” الحدودية وشرق السودان، أيضاً محصورة في شريط حدودي أفقي بولايات جنوب “دارفور” في حدود دولة الجنوب، وبعضها في حدودنا الشرقية، كما بدأت تظهر في ولاية جنوب “كردفان”، أما العائد من المخدرات بحسب محدثنا، يصعب مقارنته بأي محصولات أخرى، فضلاً عن وجود بعض الثقافات السالبة والخاطئة عن زراعة الحشيش، والعائد منها، في هذا المجال تمت دراسات لمشاريع بديلة أهمها مشروع “طق اللبان”، والذي نأمل تطبيقه مطلع العام المقبل، وهو من شأنه تقليل الكثير من زراعة الحشيش، كما يزيد من دخل السكان المحليين بصورة مشروعة وقانونية.
*تطور في التدريب
كثير من أفراد الشرطة يدخلون في اشتباكات مع تجار المخدرات، في هذا الجانب قال مدير دائرة الشؤون الفنية: العمل في مكافحة المخدرات شيء عظيم وأجره كبير لو صدقت النوايا والهدف، ويتعرض العاملون في هذا المجال لإغراءات ومخاطر كبيرة ومقاومة شرسة من قبل تجار المخدرات، لأنهم على يقين أن نهاياتهم في حالة القبض عليهم السجن المؤبد أو الإعدام، ومن جانبنا كشرطة احتسبنا أعداداً من الشهداء يتقبلهم الله، والجرحى والمصابون لا يزال بعضهم يتلقى العلاج، تمنياتنا لهم بعاجل الشفاء، وزاد أنهم يتلقون تدريباً بطريقة متطورة لمواجهة المطاردة والاشتباكات النارية، مشيراً إلى أنه ومثلما تتطور الجريمة والمجرمين في وسائلهم الإجرامية، بالمقابل وأكثر تتطور المكافحة لمواكبتها، وفي تدريب مستمر لأفرادنا من الضباط والرتب الأخرى بالداخل والخارج، للوقوف على مستجدات وسبل المكافحة للحد من انتشار المخدرات وضبطها.
*الكليات الخمس المحافظة
نائب دائرة الفتوى بهيئة علماء السودان الشيخ “عبدالرحمن حسن حامد” في إفادة لـ(المجهر) حول انتشار المخدرات في الآونة الأخيرة وتنوع سبل دخولها، قال إن الإسلام وكل الأديان السماوية جاءت لحفظ الكليات الخمس وهي (حفظ النفس، والعقل، والمال، والنسل، والعرض)، إذا كان كذلك فإن حرب الإسلام للمخدرات من منطلق حفظ هذه الكليات، لأن المخدرات تؤثر على عقل الإنسان ومن ثم تجعله منحرفاً يميل إلى الجريمة، مما يؤثر على النفوس، وغياب العقل كذلك يؤثر على العرض وينعكس في النسل، الأمر الذي جعل هذه السميات الخطيرة هدفاً لحرب الإسلام، لذلك كان لا بد من ردع من يتاجر في هذه الأشياء ردعاً قاسياً يليق بهذه الجريمة البشعة، ومن ثم تدمر هذه البضاعة التي لا تسوى شيئاً لأنها غير محترمة شرعاً، وكل من يشارك في هذا الأمر وييسر له الدخول أو من ييسر له ملاذاً آمناً لا بد له من العقوبة الرادعة، لأن هذه الجريمة تؤثر مباشرة على المجتمع والشباب خاصة، فتجعله منحرفاً إلى الجريمة وغير مفيد لمجتمعه المسلم.
*عقوبة تعزيرية
وعن الحاويات التي بدأت تطفو على مسطحات المياه الإقليمية والمحلية قال الشيخ “عبدالرحمن” إن هذه الحاويات التي تأتي من الخارج، هي أكبر مهدد لأمن واستقرار الشباب الذين يمثلون مستقبل السودان، أما تلك التي تزرع أو تنتج في الداخل، فليست بخطورة تلك التي تأتي من الخارج، لأن الجهات الأمنية أو المسؤولة، لها القدرة الكافية لنزعها بمناطق زراعتها في السودان، أما المخدرات المرحلة عبر الحدود المفتوحة، فلا بد من ضبطها حتى نحفظ شبابنا وديننا وعقولنا التي فيها ثمرة نتاج العمل، وأردف: لا بد من العقوبة لكل من يثبت تورطه في الإتجار أو الترويج أو التعاطي، كما لا بد من عقوبة تعزيرية رادعة.
المجهر السياسي