احمد يوسف التاي : وين عقلية الأرباح دي ؟!
أقر مدير وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي بدر الدين عبد الرحيم، بفشل البنوك في تقديم التمويل الأصغر، وبرر ذلك بأن: «عقلية البنوك ليست للتمويل وإنما عقلية أرباح).. معليش يا شيخ بدر الدين، اسمح لي أن أختلف معاك شوية، واقول لك ليت عقلية (بنوكنا) عقلية أرباح، فلو أن الأمر كما قلت لما انهارت كثير منها وغنمها ذوو الحظوة، وحتى لا تغالط الواقع المرير سأشير إلى بعض النماذج: قبل هذا اليوم وفي هذه الزاوية أوردت قصة تقول إن أحد أصحاب «الدقون» جاء ذات مرة يتأبط «فائلاً» يحتوي على شهادات كضمان لتمويل كان قد طلبه من أحد البنوك الحكومية، وما إن دخل على المدير حتى قام الأخير من مقعده وعانق «الشيخ أبو دقن» وهو يصيح الله أكبر.. الله أكبر، أهلاً بالشيخ المجاهد، ثم تسلم منه «الفائل» وصدّق له التمويل المطلوب دون تفحُص أو تدبُر، وعندما دفع المدير بالأوراق إلى الموظف المعني كانت مفاجأة الموظف بضعف الضمانات المرفقة للحصول على التمويل، فأخذ الأوراق ووضعها أمام المدير ظناً منه أن هذا الأمر فات عليه سهواً، ونبهه بكل احترام: يا سعادتك الضمانات دي ما كافية ولا تتناسب إطلاقاً مع حجم التمويل المطلوب، فانتهره المدير وكتب له على تلك الأوراق عبارة من أربع كلمات فقط: «يكفي رصيده من الإيمان»!!.. فهل هذه عقلية أرباح!؟.
قبل سنوات خلون كان هناك موظف صغير (22) عاما يعمل بقسم المقاصة بأحد البنوك الحكومية العملاقة، (معليش أنا القصة دي كرهتها حياتا يا ناس البنك، بس للضرورة أحكام، ما تزعلو حقكم علينا) المهم، هذا الموظف سطا على مبلغ (7) مليارات جنيه من المصرف وخلال عامين فقط أصبح ملياردير وترك البنك، وظهرت عليه ملامح الثراء الفاحش .
ولما أصبح الطفل المعجزة رقما لا يمكن تجاوزه في قائمة أثرياء المدينة، وسار بحكاياته المثيرة الركبان ألقت السلطات القبض عليه لتعرف سر (القندلة البدون أي مقدمات دي) خاصة انو الود ما وارث ولا أبوه مغترب ولا حاجة.. الشافع رفض الإدلاء بأية معلومات إلا أمام النيابة – شفتو التفتيحة كيف – وأمام النيابة أقر الصبي اليافع بأنه سرق (7) مليارات، وشرح للنيابة الطريقة التي سطا بها على المبلغ، وطوالي راح متحلل – طبعا مدرب على التحلل- .
في تلك الأثناء استدعت النيابة مدير البنك وسألته عما إذا كانوا يفقدون مبلغا من المال، فأجاب بالنفي وأكد أن حساباتهم كلها (مظبوطة) تمام التمام وما فاقدين مليم واحد من قروش البنك، لكن الصبي اليافع فضح نظام التأمين في البنك العريق وأخبرهم بأنه استولى على (7) مليارات من الجنيهات، وشرح لهم الطريقة، والمدير ما جايب خبر.. وهنا تحلل (الود) من المبلغ – لا حظوا أنه تحلل بعد ضبطه، وإقراره تحت وطأة الضغوط، هسي بالله دا (تحلل) ولا (تحايل)، والله أعلم إن كانت (7) أو (17)، ما مهم المهم انو اتحلل وخلاص.. فهل هذه عقلية أرباح! ؟
وفي البال أيضاً صورة قاتمة لبنوك انهارت تماماً بعد أن أصبحت نهباً بين ناس (الهبرو ملو).. وفي البال أيضاً مشهد بنك «نيما» وهو يحتضر حتى لفظ آخر أنفاسه، فهل هذه عقلية الأرباح التي تمنع تمويل المساكين ديل!؟..
الخبير الاقتصادي كمال كرار، أشار في وقت سابق إلى أن القطاع المصرفي منذ أسلمته أصبح لا يخدم إلا مصلحة النخبة الحاكمة، ولا شك أن حديث الرجل يتسق تماماً مع الواقع الذي شهدته كثير من البنوك – فهل هذه عقلية الأرباح! ؟
وفي البال أيضاً قائمة (العمالقة) التي أعلنت ثم اختفت، ولا ندري ما الذي حدث تسوية أم إعفاء أم تحلل؟ أهذه عقلية الأرباح، أم أن الحكاية زوغة من تمويل المعذبين في الأرض..