بروفيسور عمر سعيد أستاذ تاريخ الفنون بالولايات المتحدة
البروفيسور عمر محمود سعيد، محاضر بجامعة سان بيتر بالولايات المتحدة الامريكية ومحاضر بكلية اسكس بجامعة اسكس في نيو بيرد.. تخرج في كلية الفنون جامعة السودان وأنجز دراساته العليا في امريكا، وفي ذات الجامعة التي دَرس بها درّس فيها فترة ثم انتقل منها إلى جامعة سان بيتر..
قال لي: التدريس في أمريكا مفتوح ممكن تدرس في أكثر من جامعة، وهو يدّرس مادة (art history) (تاريخ الفنون) ومادة اسمها (art appreciation)..
يعتقد بروف عمر أن أي إنسان ماشي على الأرض فنان؛ لأن الفن هو في كل مجالات الحياة، ويقول: لو سألنا الناس الفن شنو؟! حايقولوا رسم، موسيقا.. لكن الفن يغطي الحياة كلها وتاريخ الفنون معانا من قديم الزمن وإلى الآن، ودائماً أركز في أن الناس عندما يحسوا أنهم فنانين طريقة تعاملهم ستختلف، طريقة لبسهم وطريقة تفكيرهم.. الفن يشمل الفكر والشوف،، الموضة فن، اللبس وألوانه وأشكاله، لأن فيها الفكرة واللون والقيمة وأشياءك الخاصة، فيها ثقافتك وتقاليد بلدك وتاريخك. الرياضة فن؛ فيها الفكرة، الإعلان، الشعار والقيمة المادية والموسيقا والتشجيع والانتماءات ومساحة الاستاد والمباني، كلها تقوم على هندسة الأبعاد الثلاثية. والتكنلوجي كله فن. الكتب والبحوث والشعر والقصة والطبيعة.. عندما نقول أن أي إنسان هو فنان يعني أن الميكانيكي فنان عندو مهارات وقيمة ومعلومة وأي إنسان أتقن مهنته بشكل أو آخر هو فنان.
(النيل والصحراء) رؤية جديدة يطرحها بروف عمر وقدمها كمحاضرة مسائية الأسبوع الماضي بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان، تقوم على فكرة أن كل الثقافة السودانية مبنية على الصحراء والنيل؛ الأغاني الموجودة في الإذاعة والاشعار إذا فككناها نجدها صحراء ونيل. ويقول كل قصصنا صحراء ونيل أشعارنا، مأكولاتنا، ألواننا، صحراء ونيل.. والبداية كانت من قرية الكومور وتلك البيوت التي تفتح على النيل ومن الجهة الأخرى على الصحراء.. يطرح بروف عمر رؤية مدرسة الصحراء والنيل للنقد والتحليل فيما لا يقل عن 12 كتاباً ممثلين لـ 12 خطوة ظهرت منهم 8 واستخدمها في الجامعة مع طلابه. وهي خطوات تجعلك تكتب وبسرعة أي ورقة عمل سواء كانت شعر أو قصة أو غيره، وعندما تكتمل الأربع الباقيات تكتمل المجموعة وفي النهاية يصدر كتاب واحد اسمه (مدخل النقد الأدبي والفني..) ولذات المدرسة أو الرؤية.. ومن هنا بدأ حوارنا وتواصل:
> هل إلى الآن كل جامعاتنا وبحوثنا لم تستطع الوصول إلى المعلومة الكافية والشاملة عننا؟
< لو نقول الحقيقة في الدراسات الجامعية عندنا، الآن الشباب متجهين لمعرفة الثقافة الخارجية الأوروبية وبسرعة.. أما تاريخ السودان ما عايزين يعرفوا عنه الكثير!! وحتى الفن ـ إذا رجعنا لموضوعه ـ لم يأخذوه كاملاً.. الآن في أمريكا مثلاً تجدين الطبيب يريد أن ينجز عملياته ليلحق بمعرض فني وربة البيت تنجز ما في يدها لتصحب أطفالها إلى معرض والكل منشغل ببرنامج ثقافي أو فني أثناء يومه، وهناك الكثير من المعارض في اليوم الواحد. اليوم لو لدينا ندوة أو معرض لا يحضر الجميع؛ والسبب أن الناس هنا لا تدرس مادة الفنون إلا بعض الثانويات والجامعات، هناك لو أنت طبيب لن تتخرج إلا إذا درست فنون، إذا كنت تريد دراسة الهندسة يطلب منك دراسة «سمسترين أو كورسين» في الفنون، وإذا أردت دراسة الطب كذلك وهكذا باقي الكليات.. وهناك من يكتشف نفسه في هذه الدراسة ويغير مجرى دراسته وحياته! لذلك تجدين الازدحام في المعارض والندوات المختلفة.. تنوي القيام بشيء يتعلق بالفنون الكل يهتم بك وبما تفعل، بحكم أن أي شخص هناك درس الفنون وبعكسنا.. وهذه حقيقة؛ وهذا ما جعل لديهم معرفة بالثقافة الكلية للأشياء. الفن ثقافة عامة.. يوسع المدارك ويعرف بالحياة والإحساس بها، تفتح ذهنك على مالديك محلياً، وعلى البحث وعلى الكتابة.. وأن تتعامل مع الأشياء بشكل راقي جداً.. نحن مغمضون أعيننا وما قادرين نفتح، والسبب أننا نجهل الفنون وبالتالي نجهل طبيعتنا التي تحدثت عنها وهي «النيل والصحراء..».. يقابلك شخص ويصف آخر بأن لونه أخضر! لا يوجد بشرة خضراء ولكن في السودان في لون أخضر والسوداني بالفطرة عندما يقول لون أخضر يعبر عن الصحراء والنيل لأن اللون الأخضر مزيج من الأصفر والأزرق.. الأصفر الصحراء والأزرق النيل وعند مزجهم يعطوننا الأخضر.. نحن لدينا العفوية في التصرف حتى في مأكولاتنا لدينا صحراء ونيل في موسيقتنا وفي شعرنا؛ لكن بشكل عفوي. وفي كتابي كتبت عن من يدخلون إلى سوق قريتنا جميعهم منقسمين إلى صحراء ونيل؟ منهم من يأتي بالإبل من الخلاء ومنهم من يأتي من الجزر من النيل وكلاهما يأتي محملاً ببضاعة عينية تمثل منطقته وفي ذات الوقت يأتون ببضاعة أدبية يرددونها على مسامع بعض داخل السوق كل بمفرداته الخاصة بمنطقته، وهذا ينقل عن هذا ويحدث التمازج أو الاندماج.. وهذا طبيعي.. منطقة السوق هذه تفتح على النيل وعلى الصحراء في ذات الوقت فيها وديان ورمال عندما تصب الأمطار في كل شمال السودان تأتي بالوديان ومعها الرمال وتصب في النيل، وتصنع الجزر التي تظهر عندما تنحسر مياه النيل، وعندما يفيض يحاول أن يطغى على الرمال ويصارعها، ولكن في النهاية يتحدوا ويكونوا منطقة وسطى بين الصحراء والرمال والأراضي الطينية.. وأخصب من الثنين تلك التربة في الوسط التي تكونت منهما معاً.. وهذا مكّونا السوداني.. أخصب تربة ليست الرملية التي تميز العرب ولا الطينية التي تميز الأفارقة.. الأخصب تلك المدمجة بينهما والتي تمثل السودان.. لذلك السودان عنصر مميز.
> هذه الرؤية (النيل والصحراء) أخذتها واختمرت في الخارج؟ أم ماذا؟
< بصراحة بعد ذهابي للخارج فكرت فيها، بدأت أفكر في المنشأ وفي الطفولة والألعاب والأسرة اسرنا جميعاً واختلاف ألواننا حتى الألعاب الآن أعمل تمييز لكل الأشياء ومنها العابنا (شدّيت والسيجة) صحراوية وهكذا.. لاحظت كل المفردات من حولنا.. وعندما أسمع غناء أو شعر في الراديو أو اقرأ قصة سودانية على طول افتكرتها صحراوية ولا نيلية..
> ألا تنظر للغابة أين توجد؟
< إلا من ناحية جغرافية... أنا شايف السودان حتى السافنا لكن متأكد 100 في المائة في التاريخ القديم أن العرب دخلوا لغاية الجبل وبحر الغزال وبحر العرب والمفردات هذه ليست تسمية عفوية لما نقول الغزال صحراوي والجبل صحراوي والعرب صحراوي وليس نيلي.. هذه حقائق إذا لم نقلها الناس لن تستوعبها وستظل تمارسها بعفوية وهي حقائق واضحة.
> هل تعتقد أنك يمكن أن تلاقي اعتراض واختلاف معك في نظريتك هذه إذا صح التعبير؟
< أطرح رؤيتي للناس جميعاً وطرحتها بالإنجليزية في الخارج والناس يقرأونها اسمها «desert and nile school of analysis and criticism» يعني «مدرسة الصحراء والنيل للنقد والتحليل» وبالعربي أيضاً وهذا الكتاب قبل مجيء إلى السودان فتحت له قنوات في كندا وأوروبا.
> ما رؤيتك وأمنياتك القادمة؟
< أرى أن يتوسع الناس في التعليم أكثر ليس بالمدارس فقط، ولكن بنشر الثقافات في الأحياء، وفي الندوات نحن محتاجون نملأ الأمسيات بالندوات والمحاضرات.. أرى ان الاجيال في السودان وخارجه تسير بسرعة نحو الغرب لماذا؟ لأن الغرب أسرع نحونا وموجود عندنا لكننا موجودون لديه تاريخ .. ينظرون لنا كتاريخ وموجودون عندنا بالثقافة الحديثة.
> هل تخشى هذا الحراك؟
< لا ولسبب؟ لأن أي نهضة في الدنيا تقوم على ثلاثة المعلومات والاتصالات والتكنلوجيا، وكله متوفر لدينا وإذا ملكنا هذه الثلاث وتأخرنا فذلك من أنفسنا.. من عدم طرح المعلومة ومن التفكير السلبي لما انت تحتوي المعلومة وتستأثر بها لنفسك فقط.. نحن لاينقصنا شيء ما دام وصلتنا التكنلوجيا والاتصالات سهلة والمعلومات يمكننا الحصول عليها.. ما ينقصنا هو الإخلاص لبلدنا، مفروض تدعم لدينا طباعة الكتب ونسجل أشياؤنا، نحن ننظر للدعم في البنزين وغيره نعم، ولكن الدعم الثقافي المفروض يكون للكتاب المدرسي والكتاب العام.. اؤكد حقيقة أننا لدينا ما يكفي من المواد التي يجب أن نكتبها لنقدمها للآخرين لدينا معلومات لكل شيء ولأنه إذا كانت هناك معلومات مغلوطة نصححها.
> من يريد أن يغطي الفجوة في المعلومة لدينا لا بد أن يأتي بالمعلومة الموثقة في الخارج والتي كتبها؟!
< المعلومة التي تخصنا في الخارج فيها ما كتب بصدق وفيها ما لا يعبر عننا بدقة وهذا معناه أننا ننفتح أولاً على العالم الخارجي بالعلاقات ونحضر منهم المعلومات التي تهمنا والتي لاتهمنا.. ونخرج منها ما يناسبنا.
زرت وتجولت في متاحف ووجدت معروضات عن السودان قيمة لماذا؟ لأنهم يهتمون بالمعلومة التاريخية بعكسنا.. نحن لدينا متحف واحد في الخرطوم!! مع أن الشمالية كلها متحف، وسنار متحف، سوبا متحف، ومنطقة الفونج متحف.. فقط لو استثمرنا في الآثار التي لدينا والمتاحف سنصبح شيء آخر لأنه لدينا آثار قديمة في الشمالية والوسط وحتى منطقة الخرطوم (علوة) والمقرة.. وعدم الاهتمام بالعلاقات يؤخر الاستثمار في الآثار وهي من أغلى الأشياء.
> كما لدينا فجوة في تاريخنا كبلد لدينا فجوة في تاريخ الفنون لدينا؟
< لدينا جهل بدراسة الفنون لا ندرس فنون رغم أنه لدينا أساتذة وفكر ولدينا حس لكن لدينا تقصير في تدريس مادة الفنون.. ومادة الفنون ليست تدريس للرسم فقط بل انت لاتستطيع ان تقرأ القصيدة قراءة صحيحة إلا تكون دارس فنون لكي تنمي خيالك والشعور لن تقرأ القصة وتحسها إلا بعد دراسة الفنون.. الفن سيعيد صياغتنا بشكل جديد.
> السودان نموذجاً في محاضراتك؟
< عندما أدرس في الجامعة أدرس السودان.. أقول في الألوان أنها تنقسم لقسمين حارة وباردة، حارة صحراوية وباردة نيلية.. والسودان حاضر في كل محاضراتي.. الإضافة التي أقدمها للطلبة وبشكل واضح الصحراء والنيل، حتى في التاريخ أدرس التاريخ الحديث في الفن ـ القرن 19 والقرن 18 حتى عصر النهضة، ودوما أقول هناك تاريخ أقدم من هذا.. وأحدثهم عن القرن الإفريقي عن الحبشة واكسوم وعن شمال السودان وأن في السودان 180 هرماً، وفي مصر 3 اهرامات كبيرة لأن الحقيقة تبدأ صغيرة وتكبر وهذا يعني أن الحقيقة لدينا هنا.. أركز جداً على تدريس التاريخ القديم في السودان.. أعتبر أي إنسان هو سفير لبلده.. دائماً في التاريخ القديم اجيب السودان، وفي التاريخ الحديث اتكلم عنه وتكون هناك أشياء مجهولة للناس.. والتاريخ القديم أثبته لهم بالصور والكتب لدي كتب تتحدث حتى عن المنحوتات المنزلية السراير، كانت زمان من الخشب وتتطعم بالعاج.. كل البجراوية وكبوشية والنقعة والمصورات موجودة في كتب في الخارج.
> واقع فننا الحالي؟ هل وصل للآخرين؟
< لا أعتقد ذلك.
> رغم العولمة؟
< الزحمة شديدة والأمر يحتاج لمجهود ضخم. لكن لكي تعرفي تقييم الإبداع.. الآن في الجامعة التي أدرس فيها في الأدب يدرسون موسم الهجرة إلى الشمال هم ينتقون الأشياء الجميلة والقوية فهي لاتضيع.
> وفي التشكيل؟
< لدينا بروفيسور الصلحي افتتح معرضاً في نيويورك العام الفائت وزرته.. نعم يوجد عن الفن الحديث.
> هل يكفي أن يخرج شخص واحد لكي يمثلنا؟
< لا.. وبصراحة.. نحن مقصرون، يمكن يكون ضعف إمكانات، حصار.
> هل هناك خف أو ضعف في الموهبة؟
< نعم أحس في الفنون مثلاً في فنانيين لكن تنقصهم الكتابة عن الفن. ممكن يرسم وهذا الاختلاف بيننا وبينهم.. هناك عندما ترسم لا يفارقك الأستاذ إلا بعد أن تكتب عن العمل وتشرحه وتنتقده وتكتب عن فنان تاني.. العمل يكون بشكل مؤسس.. هناك مادة مع التاريخ أدرسها أيضاً وهي النقد الفني وهو أنك تدرس للناس أن اللوحة والقصيدة والقصة واحد، في التعبير عن الإنسان وفي الأساسيات والعناصر.. ومن يرسم ممكن يكتب شعر وقصة. ولدينا الفنان شرحبيل أحمد فهو يرسم ويغني ويقول شعر ويكتب قصص.. نموذج للفنان السوداني.الانتباهة