رفع الدعم عن «الغاز» ورفع «التلفون» للبرلمان
«1»
> إذا نظرت إلى القرارات الكبيرة والمصيرية التى تصدرها الحكومة السودانية بدا لك أن الكثير من القرارات تصدر على «عجل» وتفتقد للدراسة والنظرة المستقبلية وما يترتب عليها سلباً وإيجاباً.
> كثير من القرارات تشعر بأن «الانفعالية» هى الدافع الاساس في اصدارها، وتبدو «العاطفة» هي التى تجعلنا نصدر قرارات قد ندفع ثمنها مستقبلاً، لذا تغيب عن معظم القرارات الحكمة والبعد السياسي العميق والمصلحة العامة.
> القرارات المصيرية والمفصلية يجب قبل إصدارها أن تمر بفترة دراسة وتحميص من خبراء معنيين بطبيعة القرار.
> تلك الدراسة والتمحيص يجب أن تكون قبل مرور القرار بالجهات المختصة للإجازة والتنفيذ.
> لكن كيف يحدث ذلك اذا كانت اغلب القرارات «المصيرية» تمر بمرحلة «التنفيذ» قبل حتى أن تمر بمرحلة «الإجازة».
> هذا أثبته قرار وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الذي رفع سعر أسطوانة الغاز الى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.
> البرلمان السوداني وهو الجهة التى يكتسب اي قرار سياسي شرعيته من خلال إجازته، قال عن رفع الدعم عن الغاز في أخبار الأمس: «أعلن البرلمان رفضه التام لزيادات أسعار الغاز التي تم إخطار رئيس المجلس إبراهيم أحمد عمر بها عبر الهاتف، وأمهل البرلمان الحكومة أقل من «24» ساعة لمراجعة قرارها، معتبراً أسطوانة الغاز «خط أحمر»، قبل أن يشرع نوابه في جمع التوقيعات لعقد جلسة طارئة الأسبوع المقبل، وسحب الثقة من وزيري المالية والنفط».
> قرار بهذه الأهمية يبلغ للبرلمان عبر «الهاتف»، وهذا إثبات أن القرار لا يملك مقومات صدوره، وهو أضعف حتى من أن يقنع نواب البرلمان.. فكيف له أن يقنع الشعب؟
> المالية أتمت رفع الدعم عن «الغاز» عبر رفع «التلفون» لمهاتفة رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر.
> لقد كنا نظن أن كارثية رفع الدعم عن الغاز في أنه قفز بسعر الأسطوانة من «25» جنيهاً الى «75» جنيهاً، لكنه الآن اتضح أن كارثيته الأكبر في انه أبلغ للبرلمان عبر الهاتف.
> هذا يعني أن القرار معاب سياسياً واقتصادياً.
> على البرلمان السوداني ألا يكتفي بمقولة أسطوانة الغاز «خط أحمر».
> مقولة «خط أحمر» نسمعها كثيراً من البرلمان، ويتم المرور على «الخط الأحمر» الذي يحدده البرلمان مرور الكرام.
> في العادة نحن نضع الخطوط الحمراء لكي نتجاوزها.
«2»
> من بين القرارات التى استحسنها الناس وربما عادت على السودان بالكثير من الخير، القرار الذي صدر على عجل أيضاً بطرد السفير الإيراني من الخرطوم وكامل البعثة، واستدعاء السفير السوداني من إيران.
> ردة الفعل السودانية كانت «أقوى» حتى من ردة الفعل السعودية المتضرر الأول من إيران، والتى كانت سبباً في أن يتعاطف السودان مع المملكة العربية السعودية بهذه الصورة التى جعلت قرارات الحكومة السودانية المفصلية دائماً تأتي تحت عنوان «خبر عاجل».
> هذا القرار هل خضع للدراسة وحسبت آثاره على المنطقة بمعدلات سياسية دقيقة؟ أم أن القرار كان فقط تعاطفاً مع المملكة العربية السعودية.
> السعودية تستحق الكثير.. غير أن دعمنا لو كان «عاطفياً» سوف يعود لاحقاً بالضرر علينا وعليه.
> ابعدوا «العاطفة» عن القرارات السياسية.
«3»
> قرار آخر صدر يوم الأربعاء الماضي على عجل ايضاً رغم الاتفاق التام على صلاحه ومنفعته.
> ذلك القرار كان قراراً قضى بفتح حدود البلاد مع دولة جنوب السودان، بعد أن كانت الخرطوم قد أغلقت حدودها مع دولة جنوب السودان في عام 2013م، بسبب اتهامها الأخيرة بدعم وإيواء المتمردين السودانيين، وتم إيقاف الحركة التجارية النشطة بين البلدين.
> هذا بالطبع يجعلنا نستحسن الخطوات التوافيقية التى تمت بين البلدين وجعلت بوادر «الوحدة» تظهر على الأفق من جديد.
> القرار لا بد من القول إنه يصب في مصلحة الشعبين، ولا خلاف أن شعب جنوب السودان مازالت له مكانته في القلوب كما شعب السودان تماماً، لكن «العجلة» التى اتبعت في القرار قد تجعل العودة الى إغلاق الحدود مرة أخرى تعود سريعاً.
«4»
> نحتاج إلى مفوضية مستقلة أو مؤسسات مختصة في السياسة والاقتصاد والمصالح العامة من أهل العلم والخبرة والفطنة، يتم الرجوع إليها عند هذه القرارات حتى لا تأخذنا «العجلة» إلى قرارات انفعالية وعاطفية قد تكون عواقبها وخيمة.