كلها ثمرات المعرض ..!
> تغطي السياسة بردائها السميك وغبارها الكثيف، الكثير من الأعمال الجليلة والكبيرة والمهمة والمنتجة، وتطغى انشغالات الناس بمعاشهم وقضية مثل زيادة أسعار الغاز، على بعض الجوانب المشرقة في حياتنا والمفيدة لمؤسساتنا، وتضيع الأحداث المترعة بالتفاؤل والأمل خلف سراب السياسة وإيقاعات العمل اليومي الرتيب المتسارع الخطوات المتعجل المسير.
> بالأمس، حضرنا احتفالاً محدوداً لم يشأ منظموه أن يجعلوه في واجهة الإعلان والإشهار والإعلام، بكل هدوء وفي جو حميم أقامت الشركة السودانية للأسواق الحرة ظهر أمس، حفلاً تكريمياً لممثلي الدول والشركات الأجنبية التي شاركت في الدورة الثالثة والثلاثين لمعرض الخرطوم الدولي. واحتضن مطعم فنيسيا الحفل النهاري وسط أداء الفرق الموسيقية والكلمات الترحيبية وأجواء التكريم، لكن ملمحاً مهماً ونقاشاً عميقاً دار بيننا ورئيس مجلس إدارة الشركة مصطفى يوسف حولي والمدير العام للشركة عبدالمعطي مختار، ليس حول المعرض وإنجازات الشركة أو أرباحها، فذلك مجال له حينه ومكانه، لكن النقاش كان حول المعاني التي تمثل مثل هذه الأنشطة الاقتصادية والتجارية المهمة في تدعيم علاقاتنا مع العالم، وخاصة في محيطنا الإقليمي. فالعمل الدبلوماسي وتمتين العلاقات السياسية، بات عبر بوابات الاقتصاد والتجارة، وتلعب الكثير من الشركات في دول العالم المختلفة أدواراً مهمة للغاية في دفع الترابط والتواصل العالمي وتقوية الصلات الدبلوماسية وتجاوز الخلافات وتقديم المصالح والمنافع على المواقف السياسية و الأيدولوجية.
> فمن خلال الحفل، وجدنا أن ممثلي الدول الرسميين من (ألمانيا وإيطاليا والبرازيل وتركيا وغانا وكينيا الصين وإندونيسيا والهند والدول العربية)، إضافة للشركات التي شاركت بصفة خاصة، هم عماد علاقات جديدة ونوافذ لعمل خارجي، ويستطيعون نقل صورة حقيقية عن السودان ونموه الاقتصادي وإمكاناته ومقدراته الطبيعية وثرواته والفرص المتاحة في الاستثمار والتجارة في السودان كاقتصاد وسوق صاعد..
> من الضروري أن يتفهم الجميع في الدولة التي تبدي اهتماماً بهذا المعرض ومعارض ودور الأسواق الحرة، والفضاء الإعلامي والمجتمع الإعلامي ورجال المال والأعمال والشركات الوطنية، إضافة للعاملين في ساحة العمل الخارجي وخاصة وزارات الخارجية والاستثمار والتجارة وغيرها من الوزارات ذات الصلة، فمن الممكن تطوير هذه المجالات الحيوية والدفع بها في آفاق أوسع، تكون فتحاً جديداً للسودان يستطيع من خلالها التعريف بما يملكه والتعاون مع بقية دول العالم من الأشقاء والأصدقاء في المنافع المشتركة.
> وأنموذج بسيط في هذا الصدد، إنه بعد قرار الرئيس البشير بفتح الحدود مع دولة الجنوب، والعلاقات الجيدة مع إثيوبيا وتشاد وإريتريا ومصر، وكل جوارنا، يمكن إقامة المزيد من المناطق الحرة في الولايات الحدودية لتنظيم تدفق الصادرات وحركة الوارد والتجارة البينية مع هذه الدول، بما يعود بالفائدة على كل السودان، وما لمسناه من الحفل أمس، من ممثلي الدول والمشاركين من الأقطار التي كانت موجودة، أن بعضهم يزور السودان لأول مرة فانفعل بما رأى، وعبروا بحماس لا نظير له عن أن في السودان سوانح يمكن أن تحول بلادنا إلى واحة من التعافِ الاقتصادي والصناعة والتجارة والاستثمار، فضلاً عن رأيهم الصريح أن الشعب السوداني بأخلاقه وطيبته وسماحته وخصاله الحميدة، هو الشعب المؤهل حالياً لتقديم أنموذج مختلف في التعاملات الناجحة وفتح الطرق أمام قيم وأخلاق تعيد التوزان والثقة للسلوك التجاري العالمي المرتبط فقط بالمصلحة والبيع والشراء، في عالم بات في حاجة إلى «أنسنة» المعاملات المعتمدة على اقتصاد السوق والنهج الرأسمالي.
> من واجبنا نحن في أجهزة الإعلام والصحافة، أن نركز على قضايانا الحقيقية، وهي قضايا التنمية والنهضة والاقتصاد وتحسين الخدمات، فقد أنفقنا الكثير من الجهد والوقت، وسالت أحبارنا في ما لا طائل تحته، نتابع خيوط دخان السياسة وأحزابها وخلافاتها وانشقاقاتها وتنابذها وتشاجراتها، ولم يقبض بلدنا إلا الريح ..!