منى عبد الفتاح : قومية فارس وقود الصراع الإيراني العربي
لن تهدأ إيران حتى تؤكد ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الأخير في النصف الأول من هذا الشهر، وذلك بأن قال إن الصراع في منطقة الخليج بين إيران وجيرانها، خاصة المملكة العربية السعودية، هو صراع سني – شيعي!
وفي هذا القول السهل بأنه صراع داخل الإسلام عمره ألف سنة، لم يذهب إلى أكثر مما أتى به المسلسل الكوميدي الهادف «طاش ما طاش» في إحدى حلقاته بتبسيطه لفكرة الصراع لجمهور المتلقين، دون ظلال علمية أو سياسية. وهو لا يعدو أن يكون محاولة بائسة لتصفية الفترتين الرئاسيتين اللتين ستصبحان تاريخا، يتدارسه الأكاديميون والمحللون، من إرث التخاذل في حل مشكلات الشرق الأوسط التي تتحمل أمريكا جزءا كبيرا منها، أو هروبا من جرأة الاعتراف بما اكتسبت يدا سلفه واتخاذ موقف في الحرب السورية وغيرها من صراعات في المنطقة.
في ظل ثبات الحضارة الإسلامية بهيكلها ولغتها اللذين عُرفت بهما حتى صارت حضارة شاملة تستوعب كل المِلل، تحاول إيران إظهار صراعها مع العرب بلبوس طائفي بأنه سني بحت، وهذا ما يجعلها تذهب في اتجاه ظهورها كدولة تتخذ المذهب الشيعي عقيدة بينما هي طائفية سياسية. وفي نفس الوقت تحاول جر الدول العربية إلى أرض هذه المعركة بوضعها في خط المواجهة بين سنة وشيعة، بينما الصراع في الأساس وبحسب ما تظهره الأطماع الإيرانية هو صراع عربي إيراني.
ينسرب هذا الخطر القادم من بلاد فارس بينما الغرب يسوق لفكرة الصراع بأنها مذهب ضد مذهب وإسلام معتدل ضد إسلام متطرف، هي ما تغرق المنطقة بمزيد من العنف والدماء. ووراء الكواليس استبدلت إيران ثيابها التمثيلية المكونة من الفكر الشيعي إلى ثياب أخرى أكثر واقعية وهي فكرة القومية الفارسية.
لا ينتهي حديث أي مسؤول إيراني إلا بالتأكيد على الحدود الثقافية لإيران، والتي تمتد من حدود الصين إلى الهند جنوبا ومن القوقاز شمالا إلى ساحل البصرة جنوبا، مثلما حدث في مؤتمر الهوية الإيرانية الذي قال فيه نائب الرئيس الإيراني علي يونسي بأن «بغداد عاصمة لنا»، متفقا مع مرجعية بلده الدينية. وفي الأضابير يدور الحديث عن أنها ضمن العواصم الخمس التي تضم بالإضافة إلى طهران، صنعاء وبيروت ودمشق وبغداد. وما هذا إلا تأكيد أن سياسة إيران اتجهت من الفكر الشيعي إلى فكر القومية الفارسية، وهو ما يؤكد بشكل أكبر تراجع الروح الثورية الشيعية لتصبح اليوم في خدمة القومية الفارسية.
إن إيران قبل الإسلام هي دولة فارسية قديمة قادت صراعات طويلة بينها وبين الروم للسيطرة على المنطقة العربية. والمطلع على التاريخ يدرك جيدا كيف أن الفارسيين تملكتهم الغيرة عند تعريب الدواوين في العهد الأموي، وكيف انتشرت اللغة العربية بسرعة مذهلة في بلادهم، خاصة بعد أن برز علماء لها من بين ظهرانيهم. والآن تم شن حملة على قواميس اللغة الفارسية لتنقيتها من العربية بالكامل، يشترك في هذا أن الردود على كل المواقف السياسية العربية فيما يخص إيران تجيء من الجانب الإيراني عنصرية متعالية. تغذي هذه العنصرية صورة العرب في المخيلة القومية الفارسية، رغم مشترك الدين الواحد.
أما الجُرح التاريخي الذي ما زال ينتح هو زوال إمبراطورية فارس بعد هزيمتها في معركة القادسية، وهو ما حدا بسكانها لاتخاذ مسار منفصل للدين وإقامة شعائره، وهو في الأصل رفض قومي لكل ما هو عربي. ومن هنا يأتي تصوير كل الطقوس الدينية على هذه الشاكلة الرافضة للإسلام الصحيح واستبداله بنهج مغاير ينضح قومية من خلف الطقوس الدينية.
وما يقود إلى الجرأة في إنعاش الطموح القديم ما زال موجودا في الحس الإيراني، وبالتالي ينعكس في الرؤية السياسية. فهل ما زالت مراكز الفكر العربية تلقف ما يردده الغرب أم تنتهج طريقا أصيلا في التحليل من الواقع المعيش وقراءات الأحداث، على ضوء التاريخ؟
mona.a@makkahnp.com