محمد لطيف : توقيع الرئيس.. ألم يعد مبرئا للذمة
قال لي هذه الحكومة ينطبق عليها المثل الشعبي الشائع.. جو يساعدوه في دفن أبوه دسّ المحافير.. قلت له يا عزيزي كان هذا في زمان مضي.. قال لي هل تحسن سلوكها..؟ قلت له كلا بل انحدرت نحو الأسوأ.. سألني مجددا.. كيف ذلك..؟ قلت له إنها هنا تقوم على من أتوا لمساعدتها وتهيل عليهم التراب.. وتترك جثة أبيها في العراء.. فغر محدثي فاهه دهشة.. فكان لزاما عليّ أن أشرح له.. قلت له سأعطيك مثالا واحدا.. لقد حفيت أقدام منتجي الأدوية من أصحاب المصانع الوطنية.. وهم وطنيون كذلك.. لإقناع الحكومة أن بإمكان مصانعهم أن توظف أي دولار تمنحه لهم لإنتاج أربع وحدات من أي دواء يحتاجه المواطن.. ولكن الحكومة لا تكتفي بالرفض وحجب الدولارات عن المنتجين الوطنيين.. أصحاب المصانع الوطنية.. بل تمنح ذات الدولار الذي حرمت منه الصناعة الوطنية لقطاع يسمى مستوردي الأدوية.. ليقوموا باستيراد وحدة واحدة مقابل كل دولار كان يمكن أن ينتج أربع وحدات في مصانعنا الوطنية.. ليس هذا فحسب.. فالحكومة لا تهتم كثيرا بما ينتجه هؤلاء المنتجون الوطنيون.. وبالتالي لا تسأل المستوردين ماذا يستوردون.. وبالنتيجة فإن المستورد من الأدوية ينافس المنتج المحلي لأن المستوردين وبدولارهم المدعوم يستوردون ما ينافسون به في الواقع الإنتاج الوطني..! أليس أمرها عجبا هذه الحكومة..؟
كلا.. فهناك ما هو أعجب.. في السادس من أغسطس 2015 أصدر مجلس الوزراء قرارا نص على أهمية توطين الأدوية بالبلاد وتخصيص نسبة من العشرة في المائة من عائد الصادر.. باستثناء النفط والذهب.. ماذا بقي إذن.. للأدوية المنقذة للحياة ومدخلات صناعة الأدوية؟.. وظل صانعو الأدوية الوطنيون يسعون لتطبيق ذلك القرار داخل الجهاز المصرفي عبر البنك المركزي لما يقارب ستة أشهر.. رغم أن المسافة بين مجلس الوزراء والبنك المركزي لا تتجاوز تقريبا الستمائة متر.. حيث صدر منشور البنك المركزي في 17 يناير 2016.. وينص على الاستمرار في تخصيص نسبة 10% من عائد الصادر غير النفط والذهب لصالح استيراد الأدوية ومدخلات صناعة الأدوية.. غير أن فرحة الوطنيين والمواطنين لم تكتمل إذ سارع البنك المركزي في 20 يناير 2016 بإلغاء قراره الصادر قبل ثلاثة أيام فقط.. ولكن المفاجأة التي ألجمت الجميع أن البنك المركزي أثبت أنه أقوى من الحكومة ومن قراراتها.. فقد عاد سريعا إلى قرار صادر في مارس 2013 يخصص نسبة العشرة في المائة كاملة لاستيراد الأدوية فقط.. وبهذه الخطوة أهال بنك السودان التراب على قرار مجلس الوزراء.. والمفاجأة الأكبر من كل ذلك.. أن ذلك القرار يحمل توقيع فخامة السيد رئيس الجمهورية شخصيا..!
فهل أصبح بنك السودان المركزي.. فوق مجلس الوزراء..؟ وهل أصبحت توقيعات السيد رئيس الجمهورية غير مبرئة للذمة لدى البنك المركزي..؟ أم أن ثمة جهات أخرى تدير البنك المركزي..؟