دعاوى التهميش
* لا خلاف على أهمية الاستفتاء الذي سيجري في دارفور، لتحديد النهج الإداري الذي ستحكم به المنطقة.
* أهمية سياسية، نابعة من ضرورة الوفاء بالعهود التي تضمنتها اتفاقيتا الدوحة وأبوجا، لكن الاستحقاق المذكور لا يحظى بأي اهتمامٍ شعبي موازٍ حتى من مواطني المنطقة نفسها، ويكفي أن الجهة التي ترعاه وتحض الناس على المشاركة فيه هي السلطة الإقليمية، أو (الاسمية) على الأصح.
* سلطة وهمية، لم تقنع أهل دارفور بأنها تستطيع أن تقدم لهم شيئاً مفيداً، وأنا أتفق تماماً مع الزميل جمال علي حسن، في أن انحياز الاستفتاء إلى خيار الإقليم الواحد سيعقِّد أزمة دارفور، ولن يساعد على حلها مطلقاً.
* مبدأ تمييز منطقة على ما سواها بإجراءات استثنائية لا تتوافر لبقية مناطق السودان غير مهضوم البتة، بغض النظر عن مسوغاته ودوافعه.
* التعلل بالتهميش لتبرير التمييز لا يكفي.
* زرت دارفور وطفت بعض أرجائها، وجُلت في الشمالية ونهر النيل.. التهميش الذي رأيته في بعض مناطق شمال السودان لم أره في دارفور.
* ثلاثية الفقر والجهل والمرض تنشب أظافرها بقوة في مناطق يعيش أهلها على مرمى حجر من مدن كبيرة، تفصلها مسافات قصيرة من العاصمة.
* من يتجول في القرى المحيطة بمدينة شندي مثلاً سيطالع مشاهد تؤذي القلب وتنتزع الدموع من المآقي.
* أبسط مقومات الحياة غير متوافرة، لا ماء، لا كهرباء، لا علاج، لا طرق، لا تعليم.. باختصار لا شيء!
* الأمر نفسه ينطبق على الأرياف القريبة من المدن الكبيرة في ولايتي نهر النيل والشمالية.
* قرى يقتات أهلها على (مرقة ماجي)، ويسدون الرمق بكسرة معجونة بالماء إن رقّ الحال، و(بدكوة طماطم) إن صفا دهرهم، وتيسرت أمورهم.
* قبل فترة فجع كثيرون بمقاطع (فيديو)، تم تداولها على (الواتساب)، لقرويين يعيشون على بعد بضعة كيلومترات من عاصمة البلاد، لا يحسنون القراءة، ولا يفرقون بين النبي والفكي!
* فقراء، معدمون، يرتدون أسمالاً بالية، يسرحون بأغنامهم العجفاء، ويقضون سحابة يومهم في البحث عن ماءٍ، يطلبونه غالباً ممن يسلكون طريق التحدي.
* ليست لديهم مدارس، ومعظمهم لم يدخل مستشفى، ولم يخضع لأي فحصٍ في حياته كلها.
* منسيون، لم يسمع بهم مناضل، ولا اتخذهم سياسي جسراً للاستوزار.. مهمشون لم يتمردوا، لأنهم لم يجدوا من يحضهم على الموت ثمناً لمقعدٍ يرنو إليه، أو سلطةٍ يبتغيها.
* كتبناها سابقاً ونكررها حالياً، لو اهتمت الإنقاذ برصف طريق الإنقاذ الغربي مبكراً، لجنبت البلاد معظم المآسي التي عانى منها أهل دارفور، لأن الطرق المعبَّدة تعد من أهم ممسكات الوحدة الوطنية، فهي تسهل انتقال المواطنين، وتيسر تمازجهم، وتزيل الفوارق التي تفصل بينهم.
* معظم من يشكون من التهميش في مناطق النزاعات بالسودان، يتوهمون أن الشمال يحظى بكل العناية والاهتمام، ويستأثر بكل الثروة والسلطة، لأنهم لم يروا الأماكن التي يتحدثون عنها، ولو تيسرت لهم سبل الحركة، وزاروها لحمدوا الله على حالهم، ولتقلصت شكواهم من الظلم والتهميش.