دانة درويش : الاحتيال على الجسد
مع اقتراب اليوم الرياضي للدولة في الثلاثاء الثاني من شهر فبراير تبدأ جميع قطاعات الدولة والمجتمع للاحتفال بهذا الحدث وكلٍ حسب طريقته الخاصة.
ولا يخفى على ذي بصيرة أهمية ممارسة الأنشطة الرياضية في حياتنا اليومية، فالرياضة تقوي الجسم وتجعل أعضاءه تعمل بشكل سليم، ومن هنا جاءت مقولة «العقل السليم في الجسم السليم»، فهي ليست مقولة مجازية كما يظن البعض، ولكنها تعبر عن واقع حسي ملموس، لذلك نجد أن ممارسي الرياضة أقل عرضة لمشكلة الوزن الزائد أو البدانة، لما للبدانة من أضرار على الجسد لا تخفى على أحد، إلا أن التساؤل الذي يلوح في الأفق هو لماذا يفشل معظم الناس بالمواظبة على الأنشطة الرياضية؟ حتى نجيب عن هذا التساؤل ودون أن نبدأ بكيل الاتهامات على ضعف الإرادات، أدعوكم لأن نعود بالزمن لأكثر من مائة سنة خلت، حيث شكل الجهد العضلي أساس الحياة وأصبح شيئا روتينيا في حياة الناس، فكان الناس يكسبون رزقهم من الزراعة، الرعي، تربية الحيوانات، المهن اليدوية….الخ، فلم تتوافر الكهرباء ولا المياه الجارية في المنازل، بل كانت الأعمال المنزلية تحتاج لجهد عضلي مضن، فالرياضة كانت مُتَضَمَّنة في طيات كل عمل يومي. ففكرة أن يمارس الإنسان الرياضة كانت لتبدو فكرة سخيفة ولا داعي لها، ثم جاءت الثورات الصناعية والتقنية والمعلوماتية، وبدأت تؤثر على حياتنا وجعلتنا نستغني عن الجهد العضلي، وبدأت مشاكل قلة الحركة والبدانة وتبعاتها تظهر على أرض الواقع، فهذه المشكلة محدثة وعمرها لا يتعدى بضع عشرات من السنوات، فبضعة عقود غير كافية لعقلنا الباطن أن يشكل استراتيجيات دفاعية، فهذا العقل الجسدي يبني خبراته ويستمدها من تطور الجنس البشري خلال مئات وآلاف السنين، وهذا العقل لم يدرج الرياضة يومًا في جدول أعماله! فعند قيامنا بحمية غذائية معينة، نجد هذا العقل هو ذاته الذي يظن أن الشخص قد دخل في حالة مجاعة، فيعطي أوامره للجسد بخفض الاستقلاب للمحافظة على الطاقة، ويعطي أمرًا باستهلاك أكبر كمية من الغذاء مباشرة حين تتوفر، وبالتالي فما أن نترك النظام الغذائي حتى يبدأ الجسم وبأمر من العقل الباطن، بتعويض حالة «المجاعة» التي تعرض لها، فيعطي أمره بتكديس أكبر كمية ممكنة من الدهون بأقل وقت ممكن ليستفيد من حالة «الوفرة الغذائية» لكي يحتاط من أي «مجاعة» قادمة، فهذا العقل الباطني الجمعي هو أقرب للغريزة منه للتفكير، ولا يمكن التأثير عليه بطريقة مباشرة.
لذا فإن ممارسة الرياضة والمواظبة عليها تعد من الأمور الصعبة لأنها ببساطة تخالف المنطق الجسدي، فأجسامنا لم تعطى فرصة لتتأقلم مع الحياة الجديدة، لأن هذا التأقلم قد يحتاج لعقود أو قرون كما قلنا، وفي نفس الوقت الأعمال أضحت مكتبية تحتاج لجهد بسيط وأصبح كل شيء متوفرا وسهل المنال، ومما يزيد الطين بلة فإن طقس الحرارة والرطوبة الشديدين لأكثر من نصف السنة في بلادنا الحبيبة يجعل الحياة تحت الأسقف ووراء الأبواب هو خيار الضرورة. قد لا أكون وضعت الحل في طيات هذه المقالة، ولكني أرجو أن أكون وفقت بعرض جانب آخر لموضوع الرياضة، بدون شك أدعوكم لعدم الاستهانة بالموضوع وتطبيق استراتيجيات جديدة ومبتكرة للحض على الحركة والرياضة، أنجح الاستراتيجيات ستكون عندما نعود لنعمل ما يعرفه جسدنا بشكل ممتاز وهو تضمين الرياضة في نشاطات أخرى، يجب أن نحتال على هذا الجسد.