تتقاصر شعبيتُه أمام شعبية البشير المؤتمر الوطني.. “حزبٌ” يخرج من بزة “جنرال”
أصوات البشير مقابل أصوات مرشحي حزبه في الانتخابات فتحت الباب لفحص فاعلية الحزب الحاكم
الزوال يتهدد حزب الإسلاميين ولهذا (…) حذر البشير من مصير الاتحاد الاشتراكي
ثلاثة قرارات مصيرية اتخذها الرئيس بعيداً عن شارع المطار برهنت على تراجع دور المؤتمر الوطني
“منحنا أصواتنا للبشير وليس المؤتمر الوطني”، هذه الجملة ترددت كثيراً في انتخابات أبريل الماضي، فقطاع واسع من الناخبين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم إلى رئيس الجمهورية المشير عمر البشير وليس المؤتمر الوطني كما أكدوا، وما يعضد من هذه الحقيقة حصول الجنرال الذي يحظى بشعبية كبيرة مقارنة مع قادة حزبه على أعلى الأصوات في دوائر اكتسح فيها المرشحون المستقلون منافسيهم في الحزب الحاكم، وعقب العملية الديمقراطية الأخيرة تكشفت حقائق تذهب جميعها في اتجاه التأكيد على أن المؤتمر الوطني حزب قد شاخت مفاصله وتراجعت جماهيريته وأنه يستمد استمراريته وجوده من شعبية رئيسه، الذي اتفقت حوله الأحزاب التي تجلس إلى طاولة الحوار بقاعة الصداقة، في الوقت الذي بدأت فيه ذات الأحزاب رافضة لمبدأ استمرار هيمنة المؤتمر الوطني على مفاصل الدولة، هذا الواقع يؤكد أن الزمان لم يعد مثل بقية الأزمنة لحزب بدأت نذر تجرعه من ذات الكأس التي شرب منها الاتحاد الاشتراكي تلوح في الأفق.
أنشودة مشجعي ليفربول
لمشجعي نادي ليفربول الإنجليزي أنشودة خالدة ترددها مدرجات ملعبهم العريق في مباريات فريقهم العملاق وتحمل في معناها “لن نتركك تسير وحدك”، وإسقاط هذه الأنشودة الكروية على واقع المؤتمر الوطني الذي ظل يحكم البلاد لربع قرن من الزمان، فإن قياداته الرفيعة ومؤسساته المختلفة ظلت تردد ذات الهتاف الكروي الإنجليزي، فهي ترفض ترك الجنرال البشير يسير وحيداً ليس بهدف إعانته ومساندته، ولكن لأنها تدرك جيداً أن خلع الرجل لجلباب الحزب يعني نهاية حكم المؤتمر الوطني، فحينما طالب البعض الرئيس البشير بالترشح مستقلاً في انتخابات إبريل الماضي قوبل هذا المقترح بحملة ضارية وشديدة الانفعال من قيادات المؤتمر الوطني التي يبدو أنها شعرت بخطر حقيقي ورفضت مجرد التفكير في هذا المقترح لإدراكها التام أن تجسده على أرض الواقع يعني غروب شمس عهد الإسلاميين في السلطة بجنوب الوادي مثلما توارت سريعاً بشمال الوادي، وذات الغضبة الضارية عبرت عنها قيادات بالحزب حينما حتى أبدى البشير زهداً واضحاً في الترشح بحسب تأكيده في أكثر من مناسبة، وخرج قادة بالمؤتمر الوطني يؤكدون أنه ليس من حق الجنرال رفض الترشح ليقينهم التام أن عدم خوضه للانتخابات تعني خسارة الحزب الحاكم حتى ولو شارك وحيداً في العملية الديمقراطية، وهذا ما اعتبره وقتها مراقبون تأكيداً على تراجع شعبية المؤتمر الوطني، وترسيخاً لحقيقة اعتماده الكامل على الرئيس البشير لضمان البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وهذه المفارقة تصلح لتكون نموذجاً للعجائب التي تزخر بها الساحة السياسية السودانية بأن يوجد حزب غير مرغوب فيه، ويتمنى قطاع واسع من المواطنين ذهابه فيما يتمتع رئيسه بشعبية كبيرة.
تراجع وانخفاض
وفي الوقت الذي ترتفع فيه أعمدة مبنى المؤتمر الوطني بشارع المطار تهبط نسبة قبول الحزب وسط المواطنين، وهذا ما أوضحته انتخابات أبريل، التي كشفت أيضاً عن أن الحزب يمر بأضعف حالاته، وهو الأمر الذي جعل الرئيس البشير يحذر غاضباً من أن يلاقي حزب الإسلاميين ذات المصير الذي واجهه الاتحاد الاشتراكي الذي ساد في العهد المايوي ثم باد، وذلك حينما وجه في أغسطس الماضي، انتقادات غير مسبوقة لمؤسسات حزبه، ووسمها بالضعف، وبأنها مغيبة عن القضايا الرئيسية في الساحة، وأبدى خشيته من زوال حزب المؤتمر الوطني حال ذهاب الحكومة الحالية، كما ذهب الاتحاد الاشتراكي على عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، وتحدث البشير في ختام جلسات شورى الحزب الحاكم في الخريف الماضي بلهجة اتسمت بالصراحة والوضوح غير المعهود علناً، حيال الأوضاع التنظيمية، وأشار إلى أن المؤتمر الوطني بحاجة إلى الاهتمام أكثر بقواعده في الولايات، خاصة بعد النتائج التي ظهرت في الانتخابات الأخيرة، معترفاً بضعف المنظومة الحزبية خارج العاصمة، وقال: “أخشى أن يصبح مصير المؤتمر الوطني كالاتحاد الاشتراكي يزول بزوال الحكومة، وأضاف: “الحزب ضعيف جداً في القواعد”، وقال مخاطباً أعضاء الشورى: “إذا كنا نعتمد على السلطة، فالسلطة حدها محدود جداً، والناس قد تصبر بكرة وبعد بكرة لكن بعده سينفجروا”، وأظهر الجنرال يومها قلقاً وحالة من عدم الرضا حيال الوضع القاعدي لحزبه، وقال “إذا الحزب لم يكن له وجود على مستوى القاعدة نخشى في النهاية ننتهي بحزب حكومة، وليس حزباً حاكماً شبيهاً بالاتحاد الاشتراكي، عندما تذهب الحكومة يذهب الحزب.
نيران صديقة
وحالة الضعف التي تعتري الحزب الحاكم لم يعبر عنها رئيس الجمهورية وحسب، بل عدد من القيادات التي اتصفت بالجرأة مضت على طريق المشير ومنهم مسؤول التنظيم السابق لحزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم محمد عبد الله شيخ وصف حزبه بأنه محنط وشبيه بتنظيم الاتحاد الاشتراكي المايوي الذي كان يدار عن طريق شخص واحد، مشيراً إلى عدد من قيادات المؤتمر الوطني وصفهم بـ”الكباتن” قال إنهم يرفضون الإصلاح ما جعل الحزب يعيش في تيارات متصارعة، متوقعاً حدوث انشقاق جديد في الوطني حال عدم القبول بفكرة الإصلاح والتغيير.
تكلس ولكن
البعض أرجع حالة الضعف التي اعترت المؤتمر الوطني إلى استمرار قيادات محددة على رأس قياداته خاصة التنظيمية لفترة طويلة من الزمان، ولكن وبعد أن تم إبعادهم لم يتغير الواقع كثيراً، وفي هذا الصدد يشير القيادي بالحزب الدكتور قطبي المهدي الى إنه كان يتوقع أن يقود تنحي علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع من مناصبهما التنفيذية لإضفاء نوع من الحيوية على حزب المؤتمر الوطني، مشيراً إلى أن ذلك لم يحدث حيث لا تزال المبادرات تصل من الأجهزة التنفيذية، وأقر قطبي بأن الوطني وأسوة ببقية الأحزاب السياسية يضيق بعض أفراده بالآراء المخالفة، بيد أنه عاد وقال: بشكل عام لا يزال المؤتمر الوطني في مؤسساته الشورية وأجهزته التنفيذية يتيح الفرصة لعضويته أكثر من أي حزب آخر.
ضد الفراغ
ذات الصراحة والشفافية التي تحدث بها البشير في خريف العام الماضي، والتي جاء وقعها صادماً على قيادات وأعضاء الحزب الحاكم، لأن الجنرال وضع يده على الجرح دون مواربة، ذات الشفافية مضى على هديها أحد رواد مدرسة وضع النقاط على الحروف دون تحفظ وهو القيادي البارز والمفكر أمين حسن عمر الذي أقر بتراجع أدوار حزبه في الحياة العامة لصالح رئيس الحزب، عمر البشير، وقال إن الحزب يبدو وكأنه في حالة عطلة، وأبدى أمين مخاوفه من أن يسمح تراجع حزب المؤتمر الوطني في الساحة لبقية القوى الأخرى بسحب البساط من تحت أرجله، قائلاً: “الحياة لا تقبل الفراغ، وأفاد أن “معظم المبادرات الخاصة بالسياسة الخارجية والمسائل الاقتصادية وحالة الناس تأتي من الرئاسة ولا تأتي من الحزب، وعبّر عن هذا التراجع بقوله: (أشعر أن الحزب في حالة عطلة). واقترح أمين لمعالجة الوضع الحالي، أن يسرع الحزب من خطاه للحاق بمبادرات الرئيس أو أن يبطئ الجهاز التنفيذي من إطلاقه المبادرات، وقال ” إن كان الجهاز الحكومي وجهاز الرئاسة بصورة عامة متعجلاً ولا يريد أن ينتظر، فعلى الحزب أيضاً أن يواكب الحركة السريعة، وأضاف: “على الجهاز التنفيذي أن يتريث في مبادراته، ويوسع من استشاراته حتى يدخل الحزب كجهاز فاعل في العملية السياسية.
غياب المبادرة
حديث القيادي أمين حسن عمر خاصة فيما يتعلق بغياب المبادرات لخص حالة الضعف التي تعتري مؤسسات الحزب، وهذا جعل البشير صاحب المبادرة في الكثير من القرارات، وأبرزها بكل تأكيد المشاركة في عاصفة الحزم التي عادت على البلاد بالكثير من الفوائد خاصة السياسية على المستوي العربي فقد أعادت السودان إلى واجهة القيادة عقب تراجع دوره لعقدين عقب اجتياح العراق للكويت حينما اختار السودان الوقوف في الضفة الخطأ من النهر فدفعت البلاد الثمن باهظاً، وقرار المشاركة الذي اتخذه الرئيس أكد أن مؤسسات الحزب الحاكم ليست عاطلة وحسب كما أشار أمين حسن عمر بل خارج دائرة الفعل، وقريباً من ذات القرار الاستراتيجي فقد اتخذ البشير قراراً آخر حمل بين ثناياه مقدرة كبيرة على قراءة الواقع الإقليمي والدولي وذلك حينما اتخذ قراراً بقطع علاقات السودان الدبلوماسية مع إيران وهو القرار الذي قوبل بتحفظ من قبل قيادات في المؤتمر الوطني ولكن لزمت الصمت لإدراكها التام أن الرئيس لن يتراجع عن قراره الذي أيضًا قوبل بتأييد داخلي وخارجي وربما كان السبب الأخير هو الذي جعل قيادات بالمؤتمر الوطني كانت رافضة لقطع العلاقات تلوذ بالصمت ليكسب على إثر ذلك القرار الرئيس نقطة أخرى في صالحه، أما قرار زيادة أسعار غاز الطهي الذي اتخذه وزير المالية بمباركة من الرئيس ورغم الغضب الشعبي الذي أثاره في الشارع فقد أثبت ضعف المؤتمر الوطني الذي حاول ركوب موجة الاحتجاجات وسعى لإسقاط الزيادة ليس لأنه لم يشارك في صنع قرارها، ولكن لاستمالة الشارع إلى صفه، ولكن الرئيس قطع خطوات الحزب بتأكيده على عدم التراجع عن القرار، وهذه القرارات أوضحت أن الرئيس البشير بدأ وكأنه “قنع من خيرا في حزبه”، فالكثير من المراقبين يؤكدون أن دائرة اتخاذ القرار في الدولة تقلصت وأن المشير بات ممسكاً بكل الخيوط وأن المؤتمر الوطني أضحى خارج دائرة الفعل.
ضمانات الحوار
الذين يجلسون إلى طاولة الحوار الوطني أو أولئك الذين ما يزالوا ممانعين ومشككين في مصداقية الحزب الحاكم يرى جزء كبير منهم أن ضمان تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والاتفاقيات المتوقعة مع الحركة الشعبية،شمال، وحركات دارفور، يتجسد في كلمة وتعهد من الرئيس البشير وليس المؤتمر الوطني، وهي أيضاً حالة تحمل بين طياتها مفارقة غريبة لجهة أن البشير هو رئيس المؤتمر الوطني وعدم الثقة في الحزب قد تعني عدم الثقة في الجنرال، ولكن مراقبين يشيرون إلى أن القوى السياسية المعارضة تدرك جيدًا أن ضمانات البشير تختلف كلياً عن تلك التي يتعهد بها الحزب الحاكم، معتبرين أن الثقة في البشير تنبع من كونه هو من يتمتع بالشرعية الانتخابية التي تكفل له تقديم الضمانات اللازمة، علاوة على التأييد الذي يحظى به من قبل قطاع واسع من المواطنين بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، وفي هذا يعتقد محلليين سياسيين أن البشير في طريقه ليصبح زعيماً شعبياً مثله والترابي والصادق المهدي والميرغني، وأن نفضه يده من المؤتمر الوطني إذا حدث من شأنه أن يضع البلاد في الطريق الصحيح، وقد رجح محلل سياسي إسلامي حدوث هذا الأمر في المستقبل القريب، وأشار في حديث لـ(الصيحة) بعد أن فضل حجب اسمه إلى أن المتغيرات الداخلية والخارجية واستعادة السودان لمكانته الأفريقية والعربية بفضل القرارات التي اتخذها البشير أكدت أن العزلة التي كانت مفروضة على البلاد سببها الأساسي سوء تخطيط وسياسات الحزب الحاكم، وتوقع المحلل السياسي حدوث مقاومة أو مفاصلة لاعتقاد بأن البشير بدأ في الفترة الأخيرة يتحرك من موقع رئاسته للبلاد وليس المؤتمر الوطني، وأضاف: البلاد والبشير أمام لحظة فارقة وأتوقع أن تحدث متغيرات كثيرة ربما قادت إلى أن يقرر البشير أن يكون رئيساً قومياً مدفوعاً من كل القوى السياسية وليس المؤتمر الوطني، والاتفاق حوله في جلسات الحوار الوطني بل حتى داخل صفوف المعارضة المتشددة ترجح هذه الفرضية.
تحقيق: صديق رمضان
الصيحة