الحـــوار الـوطـنـي… تـفـاصيــل المـعــانــاة فـي سـلـة الـحـكـومـة
بعد عبور الحوار الوطني وقطعه مسافة طويلة في بحث أزمة السودان من خلال المشاركين فيه من مختلف القوى السياسية والوطنية، بات قاب قوسين أو ادنى من الوصول لمحطته النهائية، وقد حملت «جرابيب» اللجان الست الكثير من الحلول لأزمة السودان الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المسائل التي كانت ولا تزال تمثل حجراً صلدًا تتحطم عنده كل المساعي المحلية والإقليمية والدولية. فيما لا تزال بقية المساعي تترى للوصول لمعالجات فورية توقف المد والجزر الذي ينتاب القضايا الشائكة والمسائل السودانية مطرح الحوار بعد ان وصل المجتمعون لاتفاق بشأن أغلبها. وقد توصلت الكثير من اللجان إلى مناقشة مخرجاتها عبر المشاركين من أعضائها، فيما لا تزال عملية التحبير النهائي لمخرجات الحوار كجسم كلي على قدم وساق لإعلانها. يأتي هذا فيما تشهد الساحة السياسية كل يوم الجديد في خارطة المنضمين حديثاً لفعاليات الحوار الوطني من المنشقين من الحركات المسلحة في دارفور وفي المنطقتين. ويعد هذا دعماً إيجابياً لمسيرة المنبر الوطني وربما أدت هذه التفاعلات من قبل حاملي السلاح والعائدين لحضن الوطن عقب مبادرات صلح وسلام اجتماعي داخلي ربما أدت إلى التعجيل بإصدار نتائج الحوار سيما وأن العديد من المنضمين حديثاً للحوارالوطني أكدوا أكثر من مرة أنهم وعندما بدأوا في مناقشة أعمال اللجان الست وما خرجت به من مداولات، أفادوا أنهم لا يستطيعون إضافة أو حذف أي من مخرجات اللجان التي عملت بمنتهى الصدقية مع قضايا البلاد. بيد أن بعض هذه الحركات طالب الحكومة بضرورة إبداء المزيد من التنازلات لجهة إنجاح العملية الحوارية بالداخل.
ويجد المتابع أنه ومنذ إعلان الحكومة لمبادرة الحوار الوطني، بدأت الحركات المسلحة والقوى السياسية تمضي مسرعة للانضمام لركب الحوار الوطني بالرغم من تمرد بعض حاملي السلاح من الحركات المسلحة ورفضهم للفكرة بحجة بعض المطالب المعروفة مما اعتبره البعض رفعاً لسقوفات المطالب، الأمر الذي شكل نوعاً من التهديد لمسيرة الحوار الذي بدت ملامحه واضحة بعد فوز المشير البشير بدورة رئاسية جديدة وإصراره على المضي قدماً بالمبادرة للوصول الى غاياتها المنشوده الرامية الى جمع الحركات والقوى السياسية المعارضة تحديداً بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت بهم من القوات النظامية في دارفور عقب تدمير القوة الكبيرة للعدل والمساواة في معركة قوز دنقو.
ويبدو ان مجريات الأوضاع الأخيرة هذه لا تصب في مصلحة الحركات المسلحة ولا حتى في جانب القوى السياسية التي تتخذ من الحركات جناحاً عسكريا تستند إليه بعد توقيع وثيقة نداء السودان التي اتخذت من حركة العدل والمساواة جناحاً عسكرياً. وبحسب مراقبين فإن مشهد التفاوض مع الحركات المسلحة بخصوص المشاركة في الحوار ورغم أنه مر بحالة من الفتور إلا التقدم الملموس في جدار الثقة التي وجدها الحوار الوطني، دفع بعض رجال وقيادات الحركات إلى المسارعة في الانضمام والمشاركة في الحوار.
ولم يعر أي من المراقبين الحجم الحقيقي للحركات المسلحة المنضمة وتأثيراتها على الأرض لجهة ان انضمام أي عنصر حامل للسلاح للعملية السلمية من شأنه ان يؤثر على بقية أركان الصراع المسلحة، ومن ثم يمكن أن يكون مهماً في مجتمع القوى السياسية كلاعب أساس على طاولة الحوار الوطني. حيث يرى مراقبون، أن تقديم الحكومة للتنازلات بحسب مطالب حاملي السلاح، ضرورة للتغلب على عقبة عدم الثقة بجانب طرح مجموعة من المعالجات للإقناع بان الحوار الدائر وطني وليس حواراً حكومياً، ساهم في تعزيز عامل الثقة فيما ما زالت عقبة إلغاء القوانين المقيدة للحريات، واحدة من المنقصات التي يواجهها حزب المؤتمر الوطني كحزب حاكم. ولكن يحمد المتابعون للحزب الحاكم الاعتراف بمدى أهمية تلك الحركات والعمل على إشراكها في الحوار واعتبار الحوار دونها ناقصاً. من جهة أخرى، فإن ما شهدته الساحة في الفترة السابقة لانطلاق الحوار من حراك مكثف، أسفر عن نتائج إيجابية ساهمت في إنجاح الحوار الوطني من بعد. رغم أن القوى الرافضة للحوار وضعت بعض الاشتراطات مثل أن يكون الحوار بالدوحة أو أديس أبابا عبر وساطة يقودها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي، بجانب وساطة دولة قطر في وقت سابق.
فيما كان موقف بعض القوى السياسية بالداخل مشجعاً للحوار خاصة تلك التي على شراكة سياسية مع الحزب الحاكم. فقد قال الحزب الاتحادي «لقد ظل خطابنا الموجه لإخوتنا في الحركات دائماً أن يأتوا لموائد الحوار»، وأضاف محمد يوسف الدقير عضو الحزب لـ«الإنتباهة»، أننا ظللنا نقول دوما إن التجارب أثبتت على مر التاريخ، أن الحرب لن تؤدي إلى حل، ولكننا نفتكر أن الفرحة الغامرة يجب ألا تجرفنا في أن ننادي إخوتنا من الحركات المسلحة أن يضعوا السلاح وأن تكون هذه المعركة منصة للانطلاق للحوار من أقصى الحرب. نحن نفتكر أن التعهد الذي بدر من الأخ رئيس الجمهورية وهو أعلى سلطة في البلد، بأن يأتي هؤلاء للحوار فإن اتفقوا فبها وإن اختلفنا فليعودوا إلى حيث شاءوا. لذلك نحن قناعتنا ان أي حوار أو اتفاق يتم خارج السودان سيأتي ملغوماً ومنقوصاً. ولذلك على الإخوة حاملي السلاح أن تتبدل قناعاتهم ويجب أن يتأكدوا ان السير في هذا الطريق لن يفضي إلا لمزيد من الهلاك والدمار. ولذلك ندعوهم مرة تلو الأخرى أن يعودوا للسودان ويقولوا رأيهم من خلال منصات الحوار بالداخل والشعب السوداني خير شاهد ومراقب لما يدور.
فيما يرى د. الفاتح محجوب المحلل السياسي، أن الحركات المسلحة لم تعد أمامها خيارات واسعة غير الحوار والسلام، وإلا سوف تجد نفسها خارج اطار العمل السياسي في دارفور، مؤكداً أن ما حدث في دارفور بمثابة إعلان رسمي لانتهاء الحرب في الإقليم. وطالب الحكومة بان تكون مرنة لاستثمار موقف القوة التي تقف فيه وألا تغلق الباب أمام الحركات للدخول للحوار بما انها نجحت فعلياً في هزيمتها، مضيفاً ان الوقت كذلك ما زال سانحاً امام الحكومة لاستثمار ذات الوضع في جنوب كردفان والنيل الازرق، فيما اكد من انها بحاجة للمزيد من العمل السياسي والعسكري هناك، وقال ان الوضع العسكري الجيد يجب أن لا يغري الحكومة برفض السلام والاستفادة منه لتقديم المزيد من المبادرات المرنة لدفع هذه الحركات للاندماج في عمليات السلام والانخراط في برنامج الحوار الوطني الذي وصل لنهاياته، وفي إنتظار الآخرين للتوقيع على مخرجاته.
الانتباهة