حسين خوجلي

كلمات غير متقاطعة

> كرهت جداً في عالم الصوت والصورة والكتابات هذه الرمزيات التي لم تبق لنا من المباشرة الحارة والشجاعة شيئاً. صارت كل الأوجه حقلاً من المساحيق.. والصوت أصبح همسات محسوبة من عطاء الحاسوب والمؤثرات والكتابات مجرد منمنمات لا ترضي القارئ ولا ترضي الحقيقة.
ولذلك سعدت جداً حينما سمعت دون ترتيب مسبق أغنية التنقاري بصوت (عشوشة) رغم أنف (العجرفة) المفروضة علينا وهي تصدح (انا بحبك يا مهذّب) فقلت من يملك من الشعراء هذه الجرأة فيصف من يحب بالتهذيب والأدب في زمان لا أدب فيه بل أن (قلة الأدب) تملأ الآفاق..؟
> من اللطائف التي هاتفني بها أحد الاخوة أن قريبه صرف (دم قلبه) على واحدة لا عهد لها وتزوجت بغيره في (كوما) من الحزن والبؤس وقد استعمل أصدقاؤه مجموعة من البلاسم المعنوية كانت احداها مقتبسة من (ألوان) فقد أكمل الصديق الرواية بأن أحدهم ذهب له وقال بنبرة حادة (ألم تقرأ في كلمة ألوان مقولة قالوا ذهبت قلت فلتذهب فهي ليست أكثر خلوداً من المذابح والحضارات).
قلت له وهل شفي صاحب الشاكوش الاستثنائي؟ قال لا.. ولكنه ابتسم فقلت (برضو مكسب والعافية درجات)!!
> أتاه المال حين امتنعت المعدة عن الهضم.. وغدرت السنون بالمتعة.. وقضت الأيام على النظر وأصبح السمع (مسارقة).
قال لي إنه محتار من ثروة الورثة التي وقعت عليه من السماء والحياة أمامه وهو ممنوع، فقلت له عليك بالانفاق، والانفاق بغير منٍّ ولا أذى يفضي الى الجنة وهنالك كما تعلم ولا تعلم لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر.
> لم يمنع الشعر الإمام الشافعي عن الفقه ولم يمنعه الفقه عن الشعر وهذه العذوبة تجعلني من محبي فقه الرجل واجتهاداته لانها مليئة بسمو العالم وبساطة الإنسان وأشعار الشافعي بحكمتها وصدقها وحدها هي التي تملأ صدر الأفئدة وصدر الصالونات.
> وشعر الشافعي هو وحده الذي يعزي من العلماء فقريضهم نظم وقريضه عطر ومن الأذكياء الذي لم يتوقف:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس ابدال وفي الترك راحة
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خير في ود يجيء تكلفا
> كلما قابلت سياسياً صاحب فكرة وجمهور والازمات تحاصرنا احببته لانه هو والآخرين هم الذين سيشكلون (البطل) لان البطل في هذا الزمان الردئ أشلاء مثل لعب التركيب في رياض الأطفال الإغنياء أو المكتفين
> في ليلة سياسية لاحدهم ارسلت ورقة بلا توقيع كتبت فيها بلسان أمل
لا تجفل..
لا تترك فرسك يجفل
كم فرس أجفل: القى فارسه تحت الأرجل
انصاركم جاؤوك
فكن لهم الصدر الحاني
باركهم، والعرق المتفصد فوق الجبهات
وانشر ظل عباءتك الخضراء اذا القيظ تلظى
وافتح خيمتك الواسعة اذا الليل تسلل
> كان قيادياً باصراره على (الوجود) بشبحه وكان (متواجداً) بأعينه الزارف الكواذب.. وكان كما قلنا لا يضير اعداءه ولا ينفع اصدقاءه.. سكت أصحاب الجرح والتعديل ولكن أديب الحزب قالها:
طيب اسمو ملعون الخصايل خلفو
بطالو ظاهر اثنين فيه ما بختلفو
ناساً اوكلوك سايب عقابن وتلفو
دعول ديك ما بسمن قدر ما تكلفو
ابعده الامير عن السياسة ولم يبخل عليه بتوكيل لشركة انجليزية شهيرة فاغتني وذهب..
ولكنه تراجع (بالعطية) طوعاً وكرهاً عن قيادة فصيل ظاهر من أمة محمد..
> تمت مصادرة الكلمات واحرقتها مجموعة من اهل الليل العربي.. كانوا يومها بلا ملامح ولا بطاقات ولا خطاب مكتوب..
إن أقوى اسلحة الاستبداد هي (المشافهة) ولذلك فان الطغاة الصغار والكبار على مر التاريخ لا يقرأون ولا يكتبون وليس لهم يوم ولا رقم متسلسل ولا موضوع أو توقيع.. كل ادواتهم مرجعية من شح النفس ومهاتفة خفية وسرية وتنفيذ بليل وضحية وصمت واقتراب دؤوب من النهاية!!
> ورحم الله استاذنا جلال كشك فقد كان يقول لا مشكلة لو سقط عرش السياسة او الاجتماع او الاقتصاد او حتى عرش الامن فكل هذا امر دنيا مسترد ولكن الاشكال القضية لو سقط عرش الكلمة.. نعم يا كشك حين يسقط عرش الكلمة تسقط عملة التداول المعنوي.. قد يمتنع الناس في حالة سقوط النقود عن شراء الاشياء او الاكتفاء بالقليل ولكن هل يا ترى يتوقفون عن شراء المعاني والافكار؟
> ليست الحبيبة وحدها ولكنها الاحزاب والعواصم والحكومات والبرامج والمقررات والادارات. ولكن لا احد في صراحة (ود الفراش) ولا واحدة في احتمال وديمقراطية (الدون) ورغم المشاغل الرجاء قراءة هذا العمود الخطير والرامز الذي كتبه الراحل:
بعد ما كنتي زينة
وافاشي بيك بنات قوز الدخينة
كترت المساخة بقيتي شينة
تشابهي العشرة في وسط الجنينة
الناس لا يرجعون للأرياف ولا يهربون من بؤس وهجير هذه المدن الظالمة لان السياسي والاقتصادي الذي اعد دراسة الجدوى والتكاليف، لم يسعفه خياله لاضافة ثمن الهواء النقي والانفس غير الشريرة والامان.
يعجبني انتقاد الصحافة المصرية لاداء القطاع العام بجرأة ومهارة وشجاعة وعندما كنا صغاراً وكان القلم كبيراً لا زلنا نذكر عبارة الولد الشقي (محمود السعدني).. (إن أقصر طريقة لاستدعاء المطافئ في مصر أن تبلغها وتمنح (الحلاوة) وتنتظر ست ساعات ومن بعد ذلك تشعل النار لكي تشنف اذنيك بصافرات الانذار)..
قبل ربع قرن فقط كانت النساء طويلات والرجال والقمم والنخلات والقصائد.. ما الذي جعل كل شيء في بلادنا يتقزم ويصبح الرجال والنساء اقل من 4 أقدام وست بوصات والعيون غير عسلية. (مع توفر اللحم الكيري والعسلية التانية)!
ليس هنالك بحيرات للتأمل ولا شجيرات للظلال ولا ثمر للصدقات وعندما يأوي الناس للبيوت يهدهم سهر الفيلم ومشاهدة القنوات الفضائية حينها يأوون للفراش مرهقين وكسالى بحيث لا يكون للعقل والقلب ولا بالأعين مساحة او مسافة لتتأمل فيه السماء والنجيمات البعيدة، أي مسلم هذا الذي ليس له مساحة للتأمل والتدبر والخيال؟!!
تثاقلت الاسماء وتسفلت واصبحت اسماء الطبيعة اقل من عدد المغنيات والراقصات والمتعريات في المساء العربي الحزين الدامي فبعد أن تم استهلاك اسم البرتقال والتفاح والعنب.. اطلق احد الصحافيين من اهل التراب على احدى المغنيات اللبنانيات مسمى (بسبوسة) الأغنية العربية، ومن كرامات هذا التسفل والتسفح في المفردات إن بسبوسة جعلت المسافة ما بين (الدقيق) الابيض و(الرقيق) الابيض مقدار شعرة.
ايتها الكاميرا الديجتال اللعينة.. اغربي عن وجهي وقد تأخرت اكثر من الف عام فلم توثقي اغتيال الفاروق ولا الغدر بأبي مسلم الخراساني ولم تسجلي وميض الكبرياء حين سقط احمد بن الحسين.
اغربي عني ايتها البائسة فماذا اصنع بك وانت لم تحتفي بأي دمعة شجية لطفلة عربية قتيلة على اسوار طليطلة.
ماذا أصنع بصورك الزائفة والف شهيد ما بين قيد النجومي واتكاءة علي الجلة بين دماء الخليفة ضاعت ما بين تقارير الخونة والعملاء وأكاذيب الصنداي تايمز.
سبب سقوط الحكام هو سقوط الصفوة وسقوط المثقفين.. وفي ذلك حكاية عربية توحي بالتدبر وقد ذكرها ابن حلكان في وفيات الاعيان
فقد كتب يوماً الامير عبد الرحمن بن عبد الحكم صاحب الاندلس الى الفقهاء يستدعيهم اليه وكان عبد الرحمن قد نظر في شهر رمضان الى جارية له (مما ملكت ايمانه) كان يحبها حباً شديداً فعبث بها.. ولم يملك نفسه ان وقع عليها.. ثم ندم ندماً شديداً.
فسأل الفقهاء عن توبته من ذلك وكفارته فقال يحي بن يحي الليثي
يكفر ذلك بصوم شهرين متتابعين فلما بدر يحي بهذه الفتيا سكت بقية الفقهاء حياء منه واكراماً له فلما خرجوا من الأمير قالوا ليحي:
مالك لم تفته بمذهب الإمام مالك فعنده انه مخير بين العتق والطعام والصيام؟
فقال:
لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه ان يطأ كل يوم ويعتق رقبة ولكن حملته على اصعب الامور لئلا يعود.
ستقوم مائة مدينة جديدة عبر المشروعات الكبرى. ولكن من الذي سيصنع لها ذاك الطعم والمذاق ويجعل لها بيوتاً محتملة.
المشاريع الكبرى تحتاج لمشاريع ثقافية وفكرية وتربوية مصاحبة. ولا احد ينتبه لتكاليفها لان فاتورتها تقلل امتيازات القائمين على الأمر.