عبد العظيم صالح : العلاج بالمرطبات .!
جارنا في الحي «عمر» رجل فاضل ويهتم دائماً بأمهات القضايا قلبه على وطنه، وصادق بما فيه الكفاية!! ونحن في زمن «قلّ» فيه الصدق و«انعدم».. أقصد الصدق في حب الوطن والانفعال الحقيقي بآلامه وآماله!! دائماً يلفت انتباهي لأشياء تبدو صغيرة إلا أنها كبيرة في «الناتج» وفي «المحصلة»!!
٭ في صباح أمس إلتقاني وأنا في طريقي للشارع الرئيسي!! قال: جئت في الوقت المناسب!! مد لي كرتاً أصفر.. يشبه كرت الحمى الصفراء!! أو الكرت الذي يحمل ذات اللون ويحمله الحكم في جيبه!! أو قل يشبه اللون «الوسطي» في إشارة المرور عند التقاطع!!
٭ الأمر يتعدى اللون الأصفر إلى لون «قاتم» وخليط من الألوان «الصفراء» و «الحمراء» و «السوداء»!!
٭ قرأت الكرت الأصفر!! لم أصدق السطور.. شعرت بالغثيان!! قلت له: صدقني سأكتب عن هذا الكرت غداً، و هأنذا أفعل !!
٭ عندما دخلت للصحيفة تأكدت أن الكرت الأصفر قد غادر السيارة «معي» قرأت سطوره!! و تجولت بين المكاتب!!
٭ في مكتب الأستاذ «علي فقير» كان هناك الأصدقاء «د.عبد السلام محمد خير وعوض أبوالمعالي»!! يتحدثون في شؤون البلد، والانطباع العام أنها ليست على ما يرام!! هي «ماشة وراء» قلت لهم: اقرأوا هذا الكرت!! بالمناسبة الكرت كرت دعوة «ثلاثتهم قرأوا ما بداخله التهموا سطوره.. تسلل إليهم ذات الشعور بالغثيان والأسى والحزن لمآلات الأوضاع التي وصلنا إليها من حال لا يسر «صديق» أو «عدو» أو «محايد» بلا ألوان!!
٭ يقول كرت الدعوة الذي تزينه الآية «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»: آل فلان بكل الترحاب ندعو سيادتكم لتناول المرطبات بمنزل فلان، في يوم كذا، وذلك بمناسبة علاجه والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً!! أي والله حفل مرطبات من أجل المساهمة في العلاج!!
٭ أضحت لحفلات «المرطبات» وظيفة أخرى.. فقد كانت الكروت توزع بمناسبة عقد القران وختان الأنجال!!
٭ الآن تباعدت «خطوط» المساعدة والتعاون والتكافل وغاب دور الدولة في العلاج.. فلجأ الناس لهذه الطريقة «يتوسلون» بها الأهل والأصدقاء والأحباب للمساهمة في شراء «الحقنة» والدواء أو المساهمة في نفقات العلاج.. ولا يتم ذلك إلا بنصب «الصيوانات» وتناول المرطبات من برتقال وموز وحلاوة وقطعة جاتوه والشاي باللبن مع الكيك.. وعند مدخل الباب شاب صغير يجلس على كرسي وطربيزة وأمامه علبة «فاضية» ودفتر ينتظر جيوب المدعوين.. «أعطوه» أو «منعوه»!!
٭ هذا الكرت وإن لم يأخذ شكل «الظاهرة» إلا أنه دليل دامغ على قرب «انهيار» وسائل التكافل الاجتماعي الحقيقية وغياب كل صور الضمان الاجتماعي الذي ترعاه الدولة والمؤسسات.. والمواطن «يفتك» به الداء و«يحاصره» الفقر والعوز وتسد أمامه أبواب المساعدة والمؤازرة ولا يجد سوى هذه الكروت وهذه الوسائل والتي كانت ذات يوم قاصرة على الأفراح والمناسبات السعيدة.
٭ ترى كم عدد «الأبواب» التي قام بطرقها هذا المريض وذووه في رحلة البحث عن العلاج!! وترى كم من «حيلة» أو «وسيلة» قد قاموا بها ولم يجدوا شيئاً!! ولم يبقَ أمامهم من طريق سوى الدعوة لتناول المرطبات من أجل العلاج!!.