د. عارف عوض الركابي : «مراتب الأولياء» عند الصوفيّة عرض ونقد
في معتقد الصوفية دعوى «مراتب الأولياء»، وهي بدعة أحدثها بعض الصوفية ذكرها الكتاني المتوفى في القرن الرابع الهجري وتكلم عنها ابن عربي صاحب وحدة الوجود في كتاب «الفتوحات المكية».. فإن الصحابة وهم أفضل أولياء هذه الأمة والتابعين وتابع التابعين، وهم أصحاب القرون الثلاثة المفضلة التي شهد لها النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية لم يعرفوا ما اخترعه المتصوّفة بدعوى «مراتب الأولياء» الذي اصطلحوا له بــ : القطب والغوث والأوتاد والنجباء والنقباء.. كما لم يعرفوا عن العقيدة المخترعة من الصوفية أيضاً ــ «ختم الأولياء» قياساً منهم على «ختم النبوة»!! وفي زعمهم فإن خاتم الأولياء في المكانة بالنسبة للأولياء كمقام خاتم الأنبياء بينهم!! وقد تنازعوا كثيراً – في من هو الختم تنازعاً يشبه تنازع بعض أحفاد الشيوخ في من يكون صاحب السجادة والبيعة وشيخ الطريقة بعد وفاة الأب!! ولم تكن تسمية الطريقة «الختمية» إلا لإدعاء شيخها أنه «الختم» أي خاتم الأولياء.. كما قد ادعى هذه المرتبة أحمد التجاني وغيرهما!! وفي هذه المسألة التي ما أنزل الله بها من سلطان نزاع طويل ليس هذا محل بيانه، فإن الصحابة لم يعرفوا تلك المصطلحات وهي مع أنها مخترعة فهي تحمل في طياتها عقائد شركية ومنازعة لله عز وجل في خواص ألوهيته وربوبيته سبحانه وتعالى.. أما المؤمنون فإنهم يسيرون على الكتاب والسنة وقد جاء فيهما البيان الواضح التام أن الولي هو «المؤمن التقي»؛ فمن تحقق بالإيمان والتقوى فهو ولي الله تعالى المطيع له المحقق لتوحيده المتبع لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وفي القصيدة المشتهرة المسماة «مصر المؤمنة» والتي بلغت شهرتها في زمان مضى ــ ما بلغت ذكر لهذه المصطلحات، كقول البرعي «وأقطابنا الأربعة، والدرديري قطب الله، أوتاد الأرض في القِبَل الأربعة، الأبدال والنقبا العشرة في أربعة».. ومصطلح «الغوث» ذكره البرعي ــ أيضاً في مواضع أخرى من قصائده.. والمؤسف حقاً أن كثيراً من الناس يرددون هذه الألفاظ والكلمات دون أن يعلموا معانيها ومدلولاتها، وما يترتب عليها من اعتقاد، وهو شيء مؤسف جداً.. وللتعريف الموجز فإني أبين ما يلي:
إن معنى «القطب» عند الصوفية كما فسره شيخهم ابن عربي الطائي وأحمد التجاني وغيرهما وذكرَتْه معاجم المصطلحات الصوفية، أن القطب والذي يسمى «غوثاً» في حال التجاء الملهوف إليه، هو عندهم «عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان، أعطاه الطلسم الأعم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم فهو يفيض بروح الحياة على الكون الأعلى والأسفل وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس». يقول أحمد التجاني في «جواهر المعاني» «إن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من له عليه ألوهية لله تعالى فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً ما كان من الحق إلا بحكم القطب ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كال ذرة من ذرات الوجود… ثم تصرفه في مراتب الأولياء فلا تكون مرتبة في الوجود للعارفين والأولياء خارجة عن ذوقه فهو المتصرف في جميعها والممد لأربـــابها..».. ويقول التجاني أيضاً: «فإذا أزال القطب روحانيته عنها انهدم الوجود كله وصار ميتاً».. ونقل الصوفي عبد الوهاب الشعراني في طبقاته عن أبي الحسن الشاذلي أنه ذكر للقطب خمس عشرة علامة من بينها: «أن يمدد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات وحكم ما قبل وما بعد وحكم من لا قبل له ولا بعد وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم وما بدا من السر الأول إلى منتهاه»!!!!! هذا معني «القطب» و«الغوث» عند الصوفية، فهل أدرك ذلك من يردد هذه المصطلحات دون معرفة معانيها ومدلولاتها؟!
ومعتقد القطب ينافي وحدانية الله تعالى وانفراده بتصريف الأمور وبالملك والتدبير، وهو جل وعلا من يغيث المكروب ويشفي المريض.. وعجباً لقوم يدعون خدمة كتاب الله وهم يناقضون بهذه المعتقدات كتاب الله!! ألم يقرأوا في القرآن لجوء الأنبياء في لحظات الشدة لله الحي القيوم؟! فهذا نوح عليه السلام يقول «رب إني مغلوب فانتصر». وهذا إبراهيم يقول: «وإذا مرضت فهو يشفين». ويونس وهو في بطن الحوت يقول: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين». وموسى يقف أمام البحر فيقول أصحابه: «إنا لمدركون» فيقول: «كلا إن معي ربي سيهدين» ويقول «رب نجني من القوم الظالمين». وزكريا يستغيث ربه «قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء». ومحمد عليه وعليهم جميعاً أفضل الصلوات والتسليم يقول لصاحبه أبي بكر وهما في الغار: «لا تحزن إن الله معنا».. هذه هي قصص القرآن وهذا هو التوحيد حق الديّان جل جلاله.. ولكن أين العلم والفهم والفقه والعمل بالقرآن؟! وأما «الأوتاد» ففسروا معناها بأنهم «الرجال الأربعة الذين على منازل الجهات الأربع من العالم أي الشرق والغرب والشمال والجنوب، بهم يحفظ الله تلك الجهات لكونهم محال نظره تعالى»، ولك أن تقول بملء الفم إن هذه إلا «خزعبلات وشطحات» ما أنزل الله بها من سلطان.. وأما «النقباء» فقالوا إنهم: «هم الذين تحققوا بالاسم الباطن فأشرفوا على بواطن الناس فاستخرجوا خفايا الضمائر لانكشاف الستائر لهم عن وجوه السرائر وهم ثلاثمائة» .. أي أنهم يعلمون المغيبات!! وإدعاء علم الغيب لأولياء الصوفية هو من الكذب العريض وقد تقدمت حلقة خاصة من هذه السلسلة في دحض شبهاتهم فيه وبيان أدلة اختصاص الله رب العالمين بعلم الغيب.. وأما «النجباء» فقال القوم في تعريفهم بهم: «هم الأربعون القائمون بإصلاح أمور الناس وحمل أثقالهم المتصرفون في حقوق الخلق لا غير».. وعقيدة الصوفية هنا ذات صلة بعقيدة النصارى في حمل أثقال الخلق أي «ذنوبهم ومعاصيهم»، فلا يزال الكثير من شيوخ الصوفية يدّعون إعطاء الضمان للأتباع والمريدين ولترويج الطريقة ومثل قول إسماعيل الولي: «فمن جاءني بالصدق أقبله وإن به كل وزر لا يبوء بخيبة» كثير، وفي كتاب نشر المحاسن الغالية للنبهاني: «لا يكون الشيخ شيخاً حتى يمحو خطيئة تلميذه من اللوح المحفوظ»!!
وأما «الأبدال» فإن المتصوفة قد بيّنوا معناهم عندهم بقولهم: «قيل هم أربعين وقيل سبعة ومن الأبدال اثنان يعرفان بالإمامين وهما وزيران للقطب.. وسبب تسميتهم بالأبدال: أن لديهم قوة يذهبون بها إلى المكان الذي يقصدونه وإذا أرادوا أن تحل صورتهم في مكان ليس هم فيه».
هذا بإيجاز عرض لمراتب الأولياء المبتدعة عند الصوفية وما في معانيها من عقائد فاسدة يجب على كل من يعتقدها التوبة العاجلة لله تعالى حتى ينجو في عاجله وآجله..
وفي كتاب «يستنبئونك» للبروفيسور حسن الفاتح السماني ذكر لهذه المراتب وأوصلها عشر مراتب قال: «يقول الشيخ علي المكي: القطب الغوث هو الفرد الجامع والسيد الكريم الذي يحتاج إليه الناس عند الاضطرار، ومنه يطلبون الدعاء. يقول ابن عباد القاشاني: النجباء هم المشتغلون بحمل أثقال الخلق، وهم أربعون، والنقباء هم الذين استخرجوا خبايا النفوس وهم ثلاثمائة. هذا وهناك من صنف مراتب المذكورين أعلاه وغيرهم على النحو التالي: القطب. الإمامان. الأوتاد وعددهم ثلاثة. الأفراد وعددهم سبعة، وهم موكلون بالأقاليم السبعة، ومسكن كل واحد منهم في إقليمه. الرقباء وعددهم أربعون.. النجباء وعددهم سبعون. النقباء وعددهم ثلاثمائة. العصائب وعددهم خمسمائة. الواصلون الحكماء. الرجبيون». انتهى من كتاب يستنبئونك!! وطالما هذه العقائد لم ترد في وحي الله كتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فلا غرابة أن يتفاوت منظرو التصوف في مراتب الأولياء المزعومة وعددها!!
هذا بإيجاز معتقد القوم في هذه القضية العقدية المهمة.. فهل من معتبر؟!