احمد يوسف التاي : السيناريو القادم
السيناريو القادم (1/2)
الذي يلقي نظرة موضوعية فاحصة على المشهد السياسي بكل تفاصيله وإسقاطاته وإفرازاته الإقتصادية والأمنية، والاجتماعية في الوقت الراهن، يدرك أن كثيراً من المعطيات والملاحظات، وقرائن الأحوال تشير إلى حدوث تغيير كبير في البلاد، هذا التغيير ربما اكتملت كل شروطه وأسبابه الحتمية ودوافعه المنطقية وبات أشبه بحالة انفجار، لا يستطيع أحد أن يمنعه، ولا إخفاء الدوي الهائل الذي سيحدثه، أو كسيل منحدر من أعلى قمة لا يملك إلا أن يجرف كل ما يقف أمامه، ولعل الوقت الرسمي قد انتهى أو أوشك، والمركب (دقت القيف)، و(ناس حرت وصلو الميس)، ولا أقول إن الفأس وقعت في الرأس، لأنه ما زال هناك بصيص أمل، ولو أن هذا الأمل قد تلاشى مع عتمة النفوس الحائرة من سوء تحسه وتعيشه… الأمل وإن ضعف، تراه في الزمن بدل الضائع، عسى ولعل قائد السفينة أن يفعل ما يخفف آثار الانفجار القادم ولا نقول أن يفعل ما يمنع وقوعه، وعلى الآخرين أن يدعوا: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه)، أو ربما يفعل ما يخفّف الصدمة الناجمة من حدة الارتطام بصخور (القيف).
وبقراءة متأنية لما بين سطور المسرح السياسي المضطرب تتجلى ملامح المشهد في سيناريوهين اثنين هما الأبرز على الأقل : الأول انفلات زمام الأمر من بين أصابع المؤتمر الوطني، وحدوث الانفجار على النحو الذي يعيد سيناريوهات حدثت في دول مجاورة مثل سوريا وليبيا، ومن قبلهما الصومال، هذا السيناريو سيكون أقرب للحدوث، إذا استمر المؤتمر الوطني يدير الأمور بالعقلية الأمنية القمعية، ويعتمد منهج القهر والتسلط والإرهاب الفكري، وأساليب التخويف والتخوين لخصومه السياسيين، وسيكون هذا السيناريو أكثر احتمالاً من أي سيناريو آخر، إذا استمر المؤتمر الوطني في خداع الشارع السوداني واستفزازه بفرض زيادة أسعار السلع والخدمات والضرائب والرسوم وكثرة الجبايات وتنوعها، والاستمرار في الكذب وغياب الشفافية، ولا أقول الاستمرار في التستر على الفساد ،هذا فضلاً عن استمرار الضائقة المعيشية والغلاء، لأن المواطن لم يعد يحتمل أي شيء بل هو نفسه بفعل كثير من التراكمات المستفزة أصبح بركاناً متحركاً قابلاً للانفجار والاشتعال في أي وقت، أو (تانكر) وقود يسير في حقول الألغام ..
أما السيناريو الثاني فهو إمكانية حدوث تسوية سياسية من خلال نتائج الحوار الوطني التي يسوقها أعضاء آلية (7+7) حالياً بين القوى السياسية ووسائل الإعلام.
سيناريو التسوية السياسية سيكون أقرب للحدوث إذا تحرر حزب المؤتمر الوطني من هيمنة العقلية الأمنية والجبائية التي أقسدت الحياة السياسية ودمرت الاقتصاد، وستكون التسوية ممكنة إذا التزمت حكومته بتنفيذ كل توصيات الحوار ولا سيما تلك التي خرجت بها لجنة الحريات، وتردد أن تغبيراً وتشويها قد لحق بها.
وسيكون سيناريو التسوية أقرب للحدوث، إذا نجحت آلية(7+7) في إقناع القوى الفاعلة (الممانعة)، والحركات المسلحة بهذه النتائج وإقناعها بجدية الحكومة في الالتزام بتنفبذ التوصيات وتقديم الضمانات اللازمة لذلك.
لكن الذي يتأمل السيناريوهين أعلاه لا يمكن أن يغفل حقيقة شاخصة بأبصارها، وهي أن ثمة متاريس تقلل من فرص حدوث السيناريو الثاني (التسوية السياسية)، هذه المتاريس تتمثل في الحقائق والملاحظات التالية:
نواصل غداً بإذن الله… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
السيناريو القادم (2/2)
أشرنا أمس إلى احتمال حدوث أحد سيناريوهين: الأول هو انفلات الأمر من قبضة المؤتمر الوطني وحدوث فوضى عارمة وتكرار السيناريوهات التي حدثت في سوريا وليبيا والعراق والصومال. والثاني حدوث التسوية السياسية التي يمكن أن تؤسس لنظام ديمقراطي يستطيع معالجة الأوضاع الاقتصادية المنهارة، وانتشال البلاد من حافة الهاوية.
حسناً.. لا أحد يرغب في حدوث السيناريو الأسوأ، ولعل الجميع يتطلعون إلى إنهاء الأزمات بطريقة حضارية، وهادئة من خلال التسوية السياسية المحتملة، غير أن الذي يتأمل السيناريوهين المحتمل حدوث أحدهما لا يمكن أن يغفل حقيقة شاخصة بأبصارها، وهي أن ثمة متاريس تقلل من فرص حدوث السيناريو الثاني وهو (التسوية السياسية)، بين جميع مكونات المسرح السياسي السوداني.. هذه المتاريس تتمثل في الحقائق والملاحظات التالية:
أولاً: هشاشة المعارضة وضعفها سيظل هو الحبل السري الذي يتغذى منه المؤتمر الوطني، وهو من أبرز الدوافع التي تجعل الأخير يتمترس في خندق التشبث بالسلطة، وعدم إبداء أي نوع من التنازلات، ويفعل ما يحلو له دون الالتفاف إلى صوت المعارضة وإن علا في الصحف، ومجموعات الواتساب.
ثانياً: الوضع المتدهور للمعارضة سيظل هو الرافد لإحساس المؤتمر الوطني بعدم وجود ما يهدد بقاءه على سدة الحكم، وبالتالي إيجاد كثير من المساحات الفارغة للتمدد وممارسة ألاعيب كسب الوقت التي أضحت بمثابة المسكّن الذي (يحقن) به الساحة السياسية كلما (احتقنت)، وأصابها الملل.
ثالثاً: التسوية السياسية عند القوى المعارضة تعني تفكيك النظام بالمرة، وهذا ما سيقاومه المؤتمر الوطني بكل قوته، وبالتالي يقلل من فرص التسوية السياسية.
رابعاً: وجود قوى سياسية توالي المؤتمر الوطني وتأتمر بأمره، وتبدو وراءه كالمقطورة، ساعد الأخير في تنفيذ أي إجراء سياسي يريده، ومن ثم إضفاء شرعية منقوصة عليه.
خامساً: قيادات الحزب الحاكم الآن أصبحت تدير الدولة والمجتمع كله بعقلية أمنية بحتة، وقد سخرت معظم موارد الدولة لحماية النظام ، على نحوٍ جعل الغرور يسيطر على تلك العقلية، ويجعلها أكثر تسلطاً، وأقل تجاوباً مع أي تسوية سياسية تقلل من هيمنة تلك العقلية الأمنية.
سادساً: نظرة القوى المعارضة المتشددة، والتي تبدو في كثير من الأحيان غير واقعية، أيضاً هي الأخرى باتت تقلل من فرص الحل السياسي والوصول إلى تسوية شاملة لا تقصي أية جهة حتى المؤتمر الوطني نفسه، غير أن هناك قوى سياسية ضعيفة لكنها تمتلك صوتاً عالياً و”صريخاً” داوياً و(عوعاي) في وسائل الإعلام فقط، وظلت ولا تزال تعرقل الحلول السلمية من خلال نظرتها غير الواقعية التي تطالب فيها بإسقاط النظام عن طريق الثورة الشعبية ومحاكمة رموزه، ولا تعترف بأي حلول أخرى، وهل يقبل أي نظام حاكم بمثل هذا الطرح..
إذ لا يعقل أن تصل إلى حل سياسي عبر الحوار مع نظام حكم قائم ومهيمن على مفاصل الدولة والاقتصاد، ويحتكر كل عناصر القوة – على الأقل التي تفتقدها المعارضة – ثم تعلن له أن هدفك إسقاطه ومحاكمة رموزه، فمن غير الممكن أن تصل معه إلى تسوية سياسية، ففي هذه الحالة فإن المواجهة وحِدّة الاستقطاب سيكونان بدل الحوار…. اللهم هذا قسمي فيما أملك …
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.