خلافات ما بعد الحوار!
> يجب ألا تحجب الخلافات الصغيرة وغير الأساسية بين الأحزاب والحركات التي شاركت في الحوار الوطني حول نتائج وتمخضات اللجان الست، قيمة الحوار نفسه كمنهج وسبيل لتجاوز الصراع والنزاع حول السلطة في السودان. فليس هناك وقت يُضاع في ما لا طائل منه، فإذا كانت القضايا الجوهرية قد حسمت بنسبة كبيرة، ولم تتبقَ إلا نقاط محددة وليست ذات جدوى، فلا ضير من التوافق والتنازلات المختلفة من هنا وهناك، حتى نخرج للدنيا ولأول مرة أننا كسودانيين متفقون..
> للأسف بعض المشاركين في الحوار منذ بدايته، لا يقدرون ولا يفهمون ما الذي تعنيه العملية من بدايتها حتى نهايتها ومآلاتها الختامية، ويقدمون العاجل على الآجل من ترتيبات وتدابير مكانها ما بعد إجازة التوصيات والنتائج والمخرجات، البعض يقفز مباشرة الى ما يترتب على الحوار، وكيفية تنفيذ مخرجاته، دون أن يدرك إنها عملية تحتاج إلى تفاهمات وإجراءات كثيرة، فاللجان حسمت الكثير من المختلف عليه، وسترفع التوصيات والمخرجات إلى الموفِّقين، ثم إلى لجنة «7+7»، ومنها للجمعية العمومية، وبعد الإجازة تبدأ مرحلة جديدة حول ما إذا كانت هناك حكومة قومية أو وفاق وطني أو حتى انتقالية من عدمها..
> ليس المقصود من الحوار الوطني على الإطلاق، أن يُختزل في نهاية الأمر في تشكيل حكومة لا يهم ما اسمها أو لونها أو طعمها أو رائحتها، المقصود من الحوار أن تتحدد الأُطر والمحددات التي تحكم مسار البلاد السياسي وطبيعة نظام الحكم وشكله وهياكل السلطة ونجاعتها، وكيف تُدار الدولة بتنوعها واختلافاتها ومكوناتها السياسية والثقافية.. وما هي نقاط القوة التي تدفع بالاقتصاد في اتجاه النمو لتوفير حياة كريمة ورغدة لكل السودانيين، وكيف نعيش وسط عالم يموج بالاضطراب والمواجهات والكيل بمكيالين وازدواجية المعايير.. فالعالم حولنا يشهد تحولات كبرى تلقي بظلالها اللزجة علينا وتؤثر في المحيط الإقليمي وفي الداخل السوداني، ولا تترك مجالاً لالتقاط الأنفاس، وسط عالم كهذا كيف نعيش؟. وكيف نمشي فوق الأشواك وحقول الألغام؟..
> يجب أن تتوسع الرؤى أكثر، وينظر المنخرطون في الحوار إلى معانيه وقيمته الأكبر، ويخرجوا من دائرة النفس وحظوظها، ويتفقوا على أن المتفق عليه سيقود البلاد إلى بر الأمان، أكثر بكثير من المختلف عليه الذي يجر إلى الوراء.. ولا تخطئ عين حين تبصر، أن وراء الغبار المُثار حالياً حول اللجان وما خرجت به، أجندات خائبة لم تفلح في لي الحقيقة، وعجزت عن إقناع الآخرين بصواب ما ذهبت إليه.
> الكثير من الأحزاب والحركات، كانت تتصور أن الحوار الوطني مجرد نزهة قصيرة في الرصيف السياسي، ثم تدخل عن طريق بوابته وتعبر على قنطرته إلى كراسي السلطة أو تأتيها هذه السلطة الهيفاء منقادة تجرجر أذيالها!..
> لو كان الحوار هو أقصر الطرق إلى تنسُّم السلطة واستنشاق عبيرها، فقد سقط الحوار في وحل متنجِّس مُتسخ، لا ينفع بعده أبداً، لكن معاني الحوار أكبر من هذه المطامع والترقبات المخزية، ولذا يجب على المشاركين فيه، للنظر إلى قيمته الحقيقية، واستكناه حقيقته الفعلية، وجعله روحاً تسري في جسد العمل السياسي حتى يبلغ مقصده ومنتهاه. فالسودانيون اليوم ينتظرون من المتحاورين في قاعة الصداقة أن يقدموا لهم الحل النهائي لأزمة السلطة والثروة في السودان، فقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أننا لا نعاني من خلافات في هويتنا وتنوع ثقافتنا، ولا نعاني من هزال وضعف مريع في الاقتصاد، ولا أزمة ليس لها حل في علاقاتنا الخارجية، نحن نعاني فقط من شهوة السلطة وضعف السياسيين أمامها، ويسيل لعابهم للاستوزار بمجرد الإعلان عن خاتمة مطاف الحوار.. فالكل يقف متأهباً ومنتظراً، وبعضهم يستعد للرجوع إلى المربع الأول إذا فقد الأمل في حكومة يريد أن يكون بين أيقونتها الحوارية.