التسليع والتشليع
الخبر الصادم المتداول الآن عن اتجاه مالكي المدارس الخاصة لفرض إضافات مهولة على الرسوم الدراسية للعام القادم، لا يخص هذه المدارس وحدها بل يعيد عرض مشاهد فيلم الرسوم التراجيدي الطويل الذي لا يعلم سوى الله علام الغيوب الى أي مدى سيستمر والى أية درجة ستتطور فاجعة الرسوم وإلى أي مآل ستدفع بالطلاب وآلهم، ومما يحز كثيراً في النفس بما تؤكده وقائع عديدة مؤسفة ومحزنة تقف دليلاً دامغاً على لا مبالاة القائمين على الأمر بمستقبل التعليم وجودته، فيما يقابل ذلك مبالاتهم واهتمامهم بمستقبل سياسات الخصخصة وتسليع الخدمات وحرصهم على (التأمين) الذي يصرفون عليه صرف من لا يخشى الفقر مقارنة بالفتات الذي يُرمى للصحة والتعليم، فما يحز في النفس هنا هو أن من يفعلون ذلك بالفقراء وبالتعليم هو أن غالبيتهم كانوا فقراء أبناء فقراء، لولا مجانية التعليم التي تنعموا فيها وجودته التي أنعمت عليهم علماً نافعاً لما نفع فيهم أحد، ولما كان لهم ذكر أو شأن ولما بلغوا ما بلغوه الآن من مقامات؛ مكنتهم من مصائر البلاد والعباد، فيا سبحان الله أن يجد التعليم وأن يلقى الفقراء على يديهم هذا المصير، تضييق على الفقراء وأبنائهم وتكريههم في التعليم حتى يغادروا مقاعد الدرس مضطرين ربما إلى أوكار المجرمين.
إنها جريمة في حق هذه الأجيال التي تحيطها المعاناة من كل جانب، فحتى التعليم على ما هو عليه من ضعف وتدنٍ وتردٍ لا يجدون إليه سبيلاً ويحول بينهم وبينه سيل الرسوم المتدفق بلا توقف، حيث يظل إنسان هذا البلد المُبتلَى بالرسوم في حالة «دفع» مستمر منذ صرخة الميلاد وحتى شهقة الممات…. هذا وضع مختل ديناً ودنيا لا تجوز معه أية دعاوى متنطعة؛ تتذرع بسياسة التحرير الاقتصادي التي تقضي بأن ترفع الدولة يدها عن دعم الخدمات فتترك أمرها لآليات السوق بما في ذلك خدمتي التعليم والصحة اللتين يصعب جداً معاملتهما معاملة البضائع التجارية والسلع السوقية. فحين يصبح التعليم والصحة بضائع معروضة في الأسواق يتنافس عليها الباعة (والما يشتري يتفرج) فقل على البلاد والعباد السلام، وفي الخبرة والتجربة العالمية أن من أهم نذارات خراب البلدان وتشليعها وضياعها، أن يتضعضع التعليم ويصبح سلعة ضمن معروضات سوق الله أكبر، وتسليع التعليم لا يعني سوى تشليعه.